إعتبرَ رئيس الحكومة الأستاذ تمام سلام في دردشة مع «الجمهورية»، على متن الطائرة التي أقلّته إلى بروكسل، أنّه متفائل بتماسك الوضع في لبنان، وبقدرة الجيش والقوى الأمنية على حفظ الأمن والاستقرار، أمّا مسألة انتخابات رئاسة الجمهورية وغيرها من الملفات السياسية، فلا يمكن التنبُّؤ بموعد حلّها.
لا يَدَّخر الرئيس سلام جُهداً، ولا يُفوِّت فرصة لتعويض الجمود السياسي الداخلي بدينامية تَواصُل عربية ودولية هدفُها إبقاء لبنان في دائرة الضوء، بعدما تحوّلت الأضواء إلى الملفات الإقليمية الشائكة، من الإرهاب إلى النزاعات الدموية في سوريا والعراق واليمن وغيرها، إلى المفاوضات بين الغرب وإيران حول برنامج طهران النووي.
لا يُخفي الرئيس سلام أنّ لبنان يَمرّ في مرحلة دقيقة بسبب الوضع الإقليمي الذي يشكّل ضغطاً كبيراً على الأمن والاستقرار، إضافةً إلى تحدّيات النزوح الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ما يوجب تأمينَ الدعم للجيش والأجهزة الأمنية كافة.
يُدرك سلام أنّ القوى الدولية والإقليمية وضعَت مسألة تقويض دولة الخلافة الإسلامية في رأس أولوياتها في المرحلة الراهنة ، وأنّ الملفات اللبنانية، مِن انتخابات رئاسة الجمهورية إلى الانتخابات النيابية وقانون الانتخاب الجديد مسألةٌ صعبة ومعقّدة، في ظلّ ارتباط الوضع اللبناني بما يجري في المنطقة، لكنّه لا يستسلم، بل يجهد في فنّ الممكن، في خلق مساحة تتركّز على أربعة أهداف رئيسية هي:
أوّلاً، تعزيز التواصل السياسي مع الدوَل الصديقة بهدف اكتساب دعمِها للبنان في تجاوُز انعكاساتِ ما تشهده المنطقة من تحوّلات خطيرة على المستوى الاستراتيجي.
ثانياً، دعمُ الاقتصاد اللبناني من خلال اتّفاقات ثنائية تتيح للبنان الصمود في وجه التحدّيات المتزايدة، وترفده بالخبرات الدولية الضرورية للاستمرار والنموّ، لأنّ الاقتصاد يُشكّل العمود الفقريّ للبلد، وبالتالي إذا انهارَ، سقط لبنان لا سمحَ الله.
ثالثاً: دعمُ الجيش والقوى الأمنية سياسياً وعسكرياً، وتأمين أفضل ما يمكن تأمينه لها من سلاح حديث وفعّال لمواجهة الإرهاب، الذي يستهدف لبنان على الحدود وفي الداخل، وضمان أقصى ما يمكن من أمن واستقرار للبنانيّين.
رابعاً: مواجهة أعباء النزوح السوري الذي بلغَ نحو ثلث عديد الشعب اللبناني، من خلال الدوَل والمنظمات الإنسانية الدولية، وفي مقدّمها الاتّحاد الأوروبي، لأنّ لبنان لا يستطيع أن يتحمّل وحده هذه الأعباء الهائلة مع غياب أيّ أفق لحلّ سياسيّ قريب للنزاع السوري.
هذه الأهداف حملت سلام إلى بروكسل بعد سلسلةِ زيارات إلى السعودية والإمارات ونيويورك وألمانيا، وستتبعُها زيارةٌ مهمّة إلى باريس الأسبوع المقبل، إذ إنّ رئيس الحكومة يُعوّل على الدور السياسي الإيجابي للاتّحاد الأوروبي تجاه لبنان، وعلى العلاقة التاريخية مع فرنسا لتعزيز شبكة أمان تقي اللبنانيين عواصفَ المنطقة الهوجاء.
لا يُحبِّذ الرئيس سلام إضاعة الوقت، واللعب في زواريب السياسة الداخلية، وإنْ كانت المناخات الجديدة إيجابية، ولا يرى خياراً إلّا مواصلة السعي بشفافية وصدق لتحقيق هذه الأهداف الأربعة، إيماناً منه بأن «لا يضيعُ حقّ وراءَه مطالب».
فالمساعدات للجيش أصبحَت واقعاً، والاتّحاد الأوروبّي عَيّن مُلحقاً عسكرياً في بيروت، في سابقةٍ فريدة ولفتةٍ لها مدلولها، من أجل متابعة دعم الجيش، وأوّل غيث الدعم الاقتصادي تجلّى باتّفاق مع الاتّحاد الأوروبّي بقيمة 135 مليون يورو، وتبقى مسألة النازحين همّاً طرحَه سلام في مؤتمر برلين الشهر الماضي، ويطرحه اليوم في رئاسة الاتّحاد الأوروبّي في بروكسل، التي حرصَت على أن يكون سلام أوّل رئيس حكومة يجتمع إليه الرئيس الجديد.
ما تسمعُه من كبار المسؤولين الأوروبّيين من احترام لشخص الرئيس سلام، ومِن اقتناع بما يطرحه من مبادئ وعناوين، يُطَمئنك بأنّ لبنان ليس متروكاً للفوضى الدموية والإرهاب في محيطه، وأنّ هناك مظلة دولية لتحييده عن نيران جيرانه، وأنّ أيّ حلول مستقبلية لن تكون على حسابه ككيانٍ وواحة حرّية وتَعايش واستقرار، غير أنّ دعم الخارج، على أهمّيته، لا يكفي إذا لم يرتقِ أبناءُ البلد إلى مستوى التحدّيات الكبرى، ويلتقوا على حماية بلدهم.