ولذلك اختلفت تقويمات هذه الكتابات المختلفة حتى التناقض، فمنهم رأى شكسبير مسيحياً، وان وراء تردده في قتل عمه (الذي قتل والده)، هو تردد مسيحي. ومنهم، من رأى فيه «المثقف» المتردد، الذي لا يحسم أموره (في هاملت)، وآخرون رأوا فيه محافظاً أخلاقياً، لإدانته علاقة والدته بعمه (ولما تجفّ تربة قبر والده)، ومنهم من رأى فيه ماضوياً، سعى الى الانتقام، ومنهم من رأى فيه ثورياً يكشف الفساد في القصور، وتردي القيم السائدة، بل ومنهم من رأى فيه «أصوليا» في تعامله مع متطلبات العصر، وانحيازه الى التقاليد… من دون أن ننسى أن بعضهم قلل من قيمة بعض مسرحياته مثل «هاملت»، كالشاعر الإنكليزي ت.س التي اعتبرها «خطأ فنياً»، مفككة البنية، وواقعة في ضياع هويات الشخصيات…
شكسبير؛ وفي المقابل كتب عنه كبار المسرحيين والفلاسفة والشعراء، ومن كل العصور وهم بأعداد لا تحصى، مثل ايف بونفوا وبيتر بروك، وأوغست سترندبرغ، وفيكتور هيغو من دون أن ننسى راسين وموليير.
ونظن انه من المستحيل اختزال شكسبير برؤية معينة، في هذه المسرحية أو تلك، أو تحديده في أطر مقننة، أو في «هويات» محدودة. فكل مسرحية له، عالم واسع من المناخات والشخصيات والمتاهات، والمرجعيات الغامضة، والخلفيات المجهولة. فهو قبل كل شيء، نابش عصره، بكل عمق، ومكتشف ظواهره وهوامشه، ومقاربته لا تخلو من هذا الغموض «الخلاب» الذي يخبئ وراءه معاني، ومشاعر، وأفكاراً، تتضارب وتتآلف وتتعاصف، وتتلاءم، لكنها تنغرز في عمق الشخصيات. فكأن شكسبير نفسه كما يقول مايكل ادواردز في كتابه «عبقرية الشعر الانكليزي»، «يفهم انه لا يفهم». (كأنها شعوذة الشعر الحديث مع بودلير ورمبو ومالرمه). ونظن ان راسين (وبعده هيغو) تأثر بشكسبير، لكن اذا قارنا بين بين راسين وشكسبير، نجد المساحات النازفة، بينه وبين شاعر «اندروماك» و»ايفيجين»: فرايسن مثلاً، كتب التراجيديا من ضمن الأصول التي أملاها عصره، أولاً بمرجعية اغريقية، ثم بهذه الأناقة التعبيرية الجمالية، والمشغولة، والمنحوتة… شكسبير عكس كل ذلك، يرمي كل الأصول الجاهزة، «الجميلة»، التي تثير إعجاب المعاصرين، والملتزمين بقواعد القوانين الأرسطية؛ يقذف بشخصياته بكل جنونهم، ووحشيتهم، وغرائزهم، وسفلياتهم مازجاً البورليسك والتهريج والكوميديا، وكل الانفعالات. بكاريكاتورياتها الساخرة، لتصل شخصيات بعض مسرحياته الى أربعين شخصية، وأكثر من أربع جهات، وتشابك في الروايات، والممارسات، والفصول، والتفاصيل، والمفارقات، والدماء، والقتل (على المسرح) والضعف، والقوة والاستيلاد والحيلة والجنون. عالم مفتوح على كل النوافذ النفسية، واللانفسية، والانسانية والسلطة، والصراع على الحكم… كأنه يختار ما لا يختاره، أو كأنه يختار لكي يختاروا، أو يختار كل شيء. فالشخصيات بلغاتها، مكشوفة، بتصوراتها، بنبلها، ووحشيتها، بل كأن المسرحية بكل هذه الخلفيات، والايقاعات، والجنوح، تقوده بنفسها، من دون أن يحركها بخيوط محددة كما عند راسين وكورنيل لتتوجه الى نقطة معيّنة، كأنه يتوجه الى كل الجهات: هذا الخليط «الملحمي» المتضارب، «الأعمى» (بمعنى المجهول)، تتحرك عناصره كلها، بقوة كتابته، الى التماسك، والا تفككت أبجدياتها، وأطرافها، ومكوناتها. أي انه، يصل «بفوضاه» الغامضة الى النقطة التي يصل اليها راسين بوضوحه. كأنه أقرب الى موليير».
فكاتب «البخيل» موليير وبالرغم من التزامه وحدة العمل الكلاسيكية (الاغريقية) فهو كان يشرد خارج هذه القوانين» محاولاً عبر الكوميديا، التوغل في المظاهر الاجتماعية، وفي الأمزجة المضحكة لشخصياته، ونقدها. فالضحكة عند موليير أداة سخرية وتدمير، لهذه السمات الاجتماعية.
لكن شكسبير، وعلى خلاف موليير (الذي قيل عنه «شكسبير فرنسا»)، فهو لا يهتم، كما قال مايكل ادواردز، بالمسار الاجتماعي، ولكن بما وراءَه، «بميتافيزيقيته، أو الأخلاقية التي يعبر عنها». في كوميديات شكسبير «نضحك كثيراً، لكن اللعبة أكثر اتساعاً تماماً كما هي في تراجيدياته» لأنه يغوص أكثر فأكثر، نحو الأعماق». وهو عكس موليير لأنه لا «يخط» شخصيات بفكره، أو بسمته. لأنه يسكنها من الداخل، (ستيفن غرينبيت). يعيشها بحالاتها، وتناقضاتها، وأزماتها وضعفها وقوتها. لكن السؤال الذي طرحه كثيرون: هل يمكن اعتبار شكسبير رائداً «للعبثية»، أو للامعقول؛ وقد أكد بعضهم على هذا الدور. بل بعضهم من رأى أنه مفتتح علامات المسرح الحديث في القرن العشرين بسورياليتها ولا معقولها. وأكثر. انه من «أنبياء» المرحلة الراهنة، بحروبها، وجنون السلطة، وتناقضاتها، وعنفها، أي لا معقولها. (كأن عالمه قبل 450 عاماً هو عالم اليوم». وقد صورت عدة كتب فحواها وعناوينها «شكسبير معاصرنا»؛ وشكسبير بيننا، وشكسبير أمامنا.
قد يكون عالم شكسبير فوضوياً بالمعنى الخصب و»الغامض» للعبارة، لكنها الفوضى الملجومة. وقد يكون شكسبير «متشائماً، أو سوداوياً؛ لكنه، في معظم الأحوال «يضيء شمعة في نهاية الانفاق المتقاطعة. مسرحية «هاملت» تنتهي بموت هاملت، لكنه هذا الأخير يطلب من أصدقائه ألا يتقاتلوا، وحتى كذلك من أعدائه.
وفي مسرحية «ثيمون الاثيني»، ومن خلال الفصول الدراماتيكية لهذا البطل، ترسو على نهاية «سعيدة». علماً انني وقد قرأت كل شكسبير (ما عدا ربما بعض كوميدياته)، ان شخصية ثيمون الاثيني الثري الذين أفلس وصار فقيراً، وتفرق شمل «أصدقائه» حوله ولجأ الى الصحراء… هي أكثر الشخصيات (على الرغم من ختامها)، عبثية. ربما أكثر من عبثية بيكيت في «في انتظار غودو» (ترجمتُها الى العربية، و»نهاية اللعبة» (ترجمتها الى العربية)، وأكثر لا معقولية من أعمال يونسكو، اذ انني لم أجد مثل هذه الشخصية غير المحدودة، بهوامشها وتخومها، وأعمالها، وسماتها. انما على عكس «كورنيل«، في المسرحية التي تحمل اسمه، الطاغية (يختلف عن ريتشارد الثالث، وعن «مكبث» التي هي في قمة سقوط الطاغية، تقابله بالشفقة. فكورنيل، الذي خان روما وذهب الى أعدائه وأعدائها، وقاد جيشاً للانتقام من شعب روما… ومجلس الشيوخ، الذين أذلوه، وطردوه… لكن في النهاية، يضعف هذا الطاغية أمام حيلة أعدائه، لمنعه من اكتساح روما، يضعف أمام أمه… ويتراجع، لكن يقتله أعداؤه الذين قادهم لاقتحام مدينته. مشاعر الشفقة على طاغية مات على أبواب مدينته. فلا هو أرضى من ظلموه من أهله، ولا من لجأ إليهم لينتقم من بلده، وأظن ان هذه الشخصية (كما قرأتها مراراً في المسرحية) تفجر الحدود بين الطاغية والانسان والوفاء والخيانة والعائلية، وتبرز فيه شقوق وهنات لا نكتشفها عند «مكبث» أو ريتشارد الثالث» أو «يوليوس قيصر»، الشخصيات التي تتمتع بصفات القوة المطلقة، الحديد، التي لا تخرقها «العواطف»، والخضوع لنداء أم، أو عشيقة… (ربما شخصية انطونيو في مسرحية قيصر» أقرب الى كورنيل بضعفها أمام عشق كليوباترة»؛ وهي ليست من شخصيات الجنرالات والملوك في تلك الفترة).
[ قصائده
أما قصائد شكسبير «Sonnets»، والتي كتب منها في مناسبات معينة، وتضمنها غزل، فهي أيضاً من نبرة جديدة، وتخطٍ جديد، لما كان سائداً في القرن السادس عشر سواء في العصر الاليزبيتي أو بعده في انكلترا. (وقد ترجمت مرات الى العربية). لكنها، في النهاية تبقى على هامش شعر شكسبير الدرامي، بل نوعاً ما تنويعاً عليه، وخروجاً أحياناً. فهي أنيقة، مشغولة مكتوبة لقارئ معين، تأخذ في الاعتبار الذائقة العمومية. على عكس شعره المسرحي «المتوحش» البرّي، «الدغلي»، (التوراتي والانجيلي: كان كاثوليكياً وسط بيئة بروتستانية). هنا بالذات، يمكن أن تقترب من شعر راسين، الغنائي، الصافي، الصارم، الملموس. «المديني»، والموجه أيضاً في معظمه الى بلاط لويس الرابع عشر. وكلنا يعلم ان قامت منافسة بين كورنيل وراسين، وحكمها كان الملك، عندما كان يقترح على الاثنين موضوعاً معيناً، ليصوغه كل واحد على طريقته (من دون علم مسبق بأن الفكرة ذاتها مقترحة على الآخر).
بمعنى آخر اذا كنا سنبحث عن لغة شكسبير الجديدة بجنونها، وانغلاقها (كأنه الفنان بروغل)، فلا يمكن ايجادها في «قصائده»، بل في مسرحياته.
[ لغته المسرحية
وهنا بالذات يمكن الكلام على لغة شكسبير المسرحية؛ أتراها وقعت في بلاغية مفرطة، وفي خروج مجاني أو في نبرة نافرة عن متطلبات الكتابة المسرحية، وعلاقتها بالممثل. هناك من يرى (وخصوصاً بعض البرشيتيين) ان شكسبير أسرف أحياناً في «اللعب»، وفي اعطاء اللغة هذه التدفقات والتفجيرات، بحيث انها افترست السياق المسرحي، والشخصيات نفسها، التي صارت (بالنسبة إلى هؤلاء) لغة داخل اللغة (بحسب بول فاليري)، أو لغة أقوى من شاعرها المسرحي، من خلال استجدائها «المحسنات» والمجازات، والتراكيب الغريبة، بحيث افترست ايضاً المخيلة الشكسبيرية، فحلت محلها، فصارت المخيلة، والحوارات، لعبة تشكيلية، أو لغوية، أو حتى لفظية.
لكن؟ هذه النظرة قد يكون فيها بعض الحقيقة خصوصاً في كتاباته الأولى «هنري الثالث» أو «هملت»… لكن لغته الشعرية هي أعلى نقطة من نقاط دراميته. انها الجسد الدرامي لسيكولوجيات وتناقضات وسلوكيات الشخصيات، استنبشت، (كأداة لا كغاية) اعتمالات الذات، وأخرجت تلك الجوانب المظلمة والغامضة في داخل الانسان، بحيث عادلت (وربما اكثر) بين الدرامية والشعرية.. وصولاً الى التراجيدية وربما الميلودرامية (نهاية «هملت») وجملته الأخيرة، وكذلك نهاية كورنيل الميلودرامية، ونهاية «روميو وجولييت» وفي «الملك لير» التي نعتبرها ميلودرامية).
وهذا يعني ان شكسبير استخدم اللغة للمسرح، وليس المسرح للغة. أي تمكن من تنويع لغته، وتفريعها، ورفعها ومدَّها، وتخفيضها، (وحتى نفيها بالمعنى الأدائي) بحسب المتطلبات. وهنا يمكن القول إن شكسبير ككل كاتب مسرحي كبير، عنده «لغات» عدة داخل التعبير المسرحي، وهذا يدرك أحياناً حد الاختلاف الواضح، خصوصاً في متخيلاته وشخصياته المتخيلة والسحرية، أو في كوميدياته. فلغة الكوميديات تمزج بين الهرج واللقطة، والمفارقة والخفة، بينما لغة «الساحرات» طوطمية» طقوسية، غريبة، عجيبة. بينما في تراجيدياته الكبرى (وحتى الملك لير في مناجاته)، مثل يوليوس قيصر، أو هاملت، أو كورنيل، أو «تيمون الأثيني»، أو «ريتشارد الثالث» أو «مكبث»، فإن اللغة ترتقي بالتراجيديا، وهذه الأخيرة تحملها، الى أعمق نقاط الصدام بين الشخصيات، واسفل ادراك مشاعرهم، وجنونهم. انها اللغة المجنونة مع مجانين السلطة، لتصل الى ذلك الغموض المضيء، الذي يجعل منها «حوار قمم الغموض أو لغة «الظلمات»، أو «العنف» غير المبرر أو اللاوعي المتفجر.
وهذا بالذات ما أسس لبنية مسرحية مختلفة، وحرة، بلا أقفاص، ولا أسيجة. انها اللغة الآتية من كل الجهات، تصنع بنية، بلا أسوار، ولا قواعد، وحتى مرجعيات (أرسطية أو سواها)، أو جمالية أو مواصفات جاهزة، بل ان المخيلة ما كانت لتجن لولا هذه اللغة. فاللغة ليست لباساً للفكرة أو للحالة أو الموقف، بل هي الفكرة، والحالة، والموقف. ونظن ان هذا هو ما تميز به شكسبير عن كل من جاء قبله… وبعده. انها «الخلطة» السرية، الكميائية، التركيبية، التي تجسد الشخصيات، والحوارات والمخيلات، والجنون، والمأساة، والمرثاة، والموت، والنكسات!
انه شكسبير، لم يرتفع شاعر بعده (ولا قبله) الى قممه، أو سفلياته، أو دراميته، أو جنونه، أو خروجه على كل مسلمات لغوية أو مسرحية.
[ تأثراته
لكن بمن تأثر شكسبير، وما علاقة «موقعه» العالي، المرموق، بتأثراته. الجواب جواب، ويبقى جزئياً. فشكسبير تمتع بثقافة عامة، علمية، وفلكية، وسياسية، وكيميائية، برزت في عصره، لكن في المجال الشعري (المسرحي) المضموني، تأثر بالتوراة، بعالم التوراة المتوحش، الغريب، المتافيزيقي، وبمناخاته الكتابية وحتى القصصية. كما تأثر بقصص شائعة أو بتاريخ معاصراً محلياً وعالياً. من «روميو وجولييت، الى «عطيل (المغربي)… لكنه، مسرحياً، ابن المسرح الاغريقي (خصوصاً بلغته) ولا سيما بيوروبيدس، (حتى في مواضيعه): يقال ان هملت مقتبس احدى مسرحيات عن يوريبيدس (أورست) أو عن سوفوكل (أوديب ملكاً، أو انطيغون)، أو الروماني سينيك (اعتبر البعض ان «هاملت» تقليد لسينيك)، وكذلك «تيمون الأثيني)، وتأثر بمعاصرة الكاتب المسرحي الإنكليزي مارلو خصوصاً في مسرحية «تيتوس اندراماكوس» (احدى أولى مسرحياته المنشورة).
لكن تأثيرات شكسبير في المسرح الأوروبي وسواه، فاقت تأثراته، فهو أثر بفكتور هيغو الذي أخرج المسرح الفرنسي من الأرسطية الآسرة، وكذلك في راسين، لكنه لم يمس «كورنيل؟ مثلاً، لأن هذا الأخير بقي، كلياً، ضمن القواعد الأرسطية.
ونظن أن موليير الذي كسر القواعد السائدة في كوميدياته في تأثره بالكوميديا دي لارتي، الايطالية، نحا منحى هذا الأخير، في تجاوز قيود «القواعد السائدة» الى حرية ولو نسبياً. ولهذا قيل أن «هيغو، مسرحياً، هو شكسبير فرنسا»، والقول ذاته قيل في موليير نسبة الى هذه الحرية التي تمرد فيها على تلك «القدرية» الأرسطوية.
[ شكسبير والعرب
واذا كان شكسبير، وقع في النسيان قرابة قرنين، فإنه نهض في القرن التاسع عشر بقوة. (كما أشرنا في اختراقه للمسرح الفرنسي)، لكنه لم يلقَ الاهتمام المناسب من جانب المسرحيين العرب في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. صحيح ان خليل مطران ترجم له عدة مسرحيات غلب «الأدب» فيها على المسرحة، إلا انه مع بزوغ ما يسمى المسرح الحديث في منتصف الخمسينيات، توجه هؤلاء الى ما كان متوفراً في عصرهم.
ولم يقترب معظمهم من شكسبير. وهذا لم يمنع من تقديم عدة مسرحيات مترجمة له. لكن اذا كان مسرحيّو النصف الأول قد توجهوا الى غولدوني وموليير، وغوغول وستراندبرغ ومارسيل بانيول،.. فإن من جاء بعدهم ذهب أي «ثورة المسرح الحديث» ان برشت، ملبين نداء المتطلبات السياسية والايديولوجية، ونظن ان برشت هو أكثر المسرحيين العالميين الذي أثروا في المسرح العربي بعد الستينات: من محمود دياب، الى سعد الله ونوس، الى جلال خوري، الى سعد أردش، الى روجيه عساف، الى محمد ادريس، الى فاضل الجعايبي… الى صلاح القصب، ومنصف السويسي، ومن برشت، توجه مسرحيونا الى المسرح العبثي (بيكيت، يونسكو) وبيتر فايس (المسرح التوثيقي)، وتشيكون (خصوصاً جواد الأسدي)، وغروتوفسكي (المسرح الفقير)، واستانسلافسكي (المسرح النفسي) وانطونان ارطو (مسرح القسوة)، من دون أن ننسى موليير وستراندبرغ (أيضاً)، وكذلك الى التراث العربي، واسقاطاته (باخراج برشت) أو ارطوي أو طقوسي: غروتوفسكي).
لهذا، يمكن القول ان شكسبير، لم يقارب المقاربة اللازمة من قبل مسرحيينا، عدا بعض مسرحياته السياسية لا سيما «الملك لير» و»يوليوس قيصر)، و»ريتشارد الثالث» و»مكبث».
صحيح ان شكسبير سبقنا بأربعمائة عام، لكنه اليوم، ما زال معاصرنا، كأنه يكتب مشاكل العالم الراهن، وقضاياه، ومعضلاته، وظواهره. كاتب لكل الفصول «شكسبير، بل هو أعظم شاعر عرفته البشرية.
لكن ما يُحزن ان ذكراه التي اتخذت اشكال الاحتفال في كل العالم، في أوروبا وأميركا، بقيت يتيمة عندنا، ربما، لأن من يعنيهم الأمر، لم يقرأوا جيداً شكسبير، أو خافوا من الاقتراب من هذا البركان المتفجر.
تأملوا أنه لم يكتب في هذه المناسبة أي مقال عن شكسبير.
بول شاوول
سيرة واعمال
[ ولد في ستراتسفورد، أون، افون في نيسان 1664، ورحل في 23 نيسان 1616. والده كان مزارعاً ثم أفلس.
[ درس شكسبير في «غرامر سكول».. ستراتسفورد، وتابع دروساً في جامعة أوكسفورد. لكن قبل 1592 لم تكن هناك أي معلومات عن حياته. لا أين كان يعيش ولا كيف، يقال انه مارس التعليم في مدرسة ريفية.
[ من المحتمل أن يكون شكسبير قد كتب مسرحياته الأولى لشركات من الريف؛ في 1592، كان في لندن، يتمتع ببعض الشهرة كممثل وكاتب مسرحي. قد ارتبط بعلاقة بكونت سوتا بيون الشاب هنري وريوتسلي، الذي أهداه قصيدتين «فينوس وأدونيس» (1593) و»اغتصاب لوكرسي» (1594)، والجزء الأكبر منه قصائد «Sonnet» التي كتبت بين 1593 و1597.
التاريخ الأهم لمهنته الدرامية عام 1591، حيث كتب جزءين من مسرحية «هنري السادس». الى المسرحيات التاريخية التي بدأها فقد خاض شكسبير تأليف المسرحيات الكوميدية بـ»كوميديا الأخطاء»، وكان في بداياته. ثم المسرحية السوداء» تيتوس اندراماتوس» احدى أولى مسرحياته المنشورة، تحت اسم مستعار. وقد تأثر في هذه المسرحية بالكاتب المسرحي مارلو. ولم يتوقف، منذ ذلك الحين عن كتابة المسرحيات.
[ ما بين 1599 الى 1601، قلل شكسبير من كتابة المسرحيات، واكتفى بكتابة ثلاث كوميديات منها «ليلة الملوك»، وبعدها كتب «ريتشارد الثاني»، و»هنري الرابع» و»هنري الخامس»، و»روميو وجولييت»، و»يوليوس قيصر» ثم «هملت» التي اعتبرها البعض تقليداً لسينيك. ثم «تروالوس وكريسيدا» ثم تحفه المسرحية الثلاث «عطيل»، الملك لير» و»مكبث» و»انطوان وكليوباترا»، و»كوريولانوس» و»ثيمون الأثيني»، ثم «العاصفة» التي تحمل معالم مسيحية بعد اصابة الشاعر بمرض خطير.
وفي خريف 1609، استخدم شكسبير المسرح المفتوح لبلاك فريارز الذي صار مركز نشاطه.
[ في 1610، اختار تراتسفورد مكاناً نهائياً لإقامته، حيث أمضى سنواته الأخيرة مع الكاتب المسرحي الشاب جون فلتشر. آخر مسرحياته «الفيلان ولدا العم».
والغريب ان إصدار أعمال شكسبير تمَّ من دون أي رقابة. مجموعة من الثائرين، أصدرت عدداً من المسرحيات في أحجام صغيرة. وقد نشر بعض المسرحيات غير كاملة، وبعضها الآخر مليء بالأخطار. لكن في 1619 نشر توماس بامييه عشر مسرحيات من دون إذن؛ وبعدها بقليل عمد ممثلان زميلان لشكسبير هما جون هيمنغ وهنر كوندل الى نشر طبعة كاملة لأعماله. وما هو أكيد أن عدداً من مسرحيات شكسبير تعرضت للاختزال والحذف تحت المتطلبات الاخراجية.
والغريب ان شكسبير لم يذكر في وصيته أي اشارة لمسرحياته.
مأثورات شكسبيرمن مسرحياته
[ «الحياة قصة يرويها أحمق مليئة بالضجيج والغضب، ولا تعني شيئاً». (ماكبت)
[ «كلمات كلمات كلمات». (هاملت).
[ «هناك شيء عفن في مملكة الدنمارك». (هاملت)
[ «حصان، حصان، مملكتي كلها لقاء حصان». (ريتشارد الثالث)
[ «ما من شيء في السماء أو على الأرض، هوراتيور يمكن أن تحلم به فلسفتنا». (هاملت)
[ «أن تكون أو لا تكون، هذه هي المشكلة». (هاملت)
[ «يتنفّس الملك وحده والمملكة كلها تئن»). (هاملت)
[ لا يُرى الحب بالعينين، وإنما بالمخيلة». (حلم ليلة صيف)
[ «الحياة حلم ليلة صيف» (حلم ليلة صيف)