لا تقتصر الاستعدادات لوقفة الرابع من آب المقبل على المتضررين المباشرين من مأساة ذلك اليوم الرهيب الذي أودى بحياة مئات بل ألوف القتلى والجرحى والمشردين من أبرياء هذا الوطن المنكوب، بل تتهيأ جموع شعبية لبنانية متنوعة الإنتماء والشعبية والوطنية والنقابية والطلابية إلى انتفاضات كبرى تستذكر تلك الهبة الوطنية الشاملة التي سبق أن مرّت أحداثها على لبنان في ذلك السابع عشر من تشرين، فكانت حدثا إستثنائيا تمركزت من حوله وفي صميمه، وحدةٌ وطنية شاملة، ضمت إليها مليونية من المواطنين، حتى إذا ما أسفرت مستجدات الأحداث عن كل هذه الاهتمامات والاستعدادات الداعية إلى هبّة شعبية شاملة بمناسبة مرور عام كامل على مجزرة الرابع من آب، وإلى تجمهر شعبي ووطني شامل في موقع الجريمة – الماساة، فإن ذلك يدفع بنا إلى الإعتقاد بأنها ستكون في منطلقٍ مستجد، عبّر عنه غبطة الكاردينال الراعي من خلال مخاطبته المسؤولين بالقول: لم تقدّموا إلى الشعب الحقيقة، فقدّموا إليه على الأقل، حكومة. غبطته يقول للناس ومع الناس الغاطسين في أوحال المعاناة والذل والسقوط الإنساني والوطني المريع: إسمعوا أنين الشعب وصرخته، أحذروا غضبه وانتفاضته وسط هذه المعمعة التي تتهيأ قوى شعبية فاعلة، إلى مؤازرة أهل بيروت المنكوبين بدمار أجزاء هامة من عاصمة بلادهم بآلاف الضحايا والشهداء والمصابين والمشردين، تتجدّد في المشهد السياسي العام، عملية التكليف الحكومي، المتجهة بإجماع شعبي وقيادي في الوسط الذي يؤول إليه موقع رئاسة الحكومة، إلى اختيار رسمي مسؤول للرئيس نجيب ميقاتي الذي انطلقت تسميته من قبل رؤساء الحكومات السابقين، معززة بتسمية شخصية من الرئيس سعد الحريري الذي حالت ظروف شتى دون استمراره في عملية تشكيل وتأليف الحكومة، أمّا وقد مرّت عملية الاستشارات النيابية بسلام ووئام حيث حاز الرئيس المكلف على تسمية من إثنين وسبعين نائبا، متنوعي الإنتماءات، وأمّا وأن مقدمات التأليف الحكومي لم يتأكد على ساحتها حتى الآن، رغم بعض المعطيات والملامح الإيجابية، ما يوحي بشكل موثوق ونهائي بأنها ستحوذ على موافقة الرئيس عون وصهره، الممزوجة بإصرار رئاسي على توليته عهد الرئاسة المقبلة.
ويبقى التساؤل المبرّر والمستند إلى وقائع ومسببات: بالرغم من تسمية الرئيس ميقاتي من قبل حزب الله، وبالرغم من الأكثرية العددية التي تجيز إيصاله فعليا إلى موقع رئاسة الحكومة. بصيغة التأليف المنتظرة بكل عقدها ومطباتها، هل سيتم التوافق مع الرئيس عون على كل التفاصيل المتعلقة بالتشكيلة الحكومية، التي باشر الرئيس المكلف مشاوراته التشكيلية بصددها، أم أن عوائق التأليف ستبقى نفسها وبمعظم تفاصيل الممانعة، ملطخة بأعذار طائفية يتم التذرع بها بإطلالات انتخابية تصّب في عصبها الحقيقي بإطار الإنتخابات الرئاسية التي تتكثف كل الجهود لتحققها ولإيجاد الظروف المناسبة لتجسيدها، مع تجاهل ملحوظ لكل الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي لم تعد تسمح بإيصال الوزير السابق جبران باسيل إلى موقع الرئاسة المقبلة، خاصة في الوضعية الثابتة بكونه في موقع الخصومة الحادّة مع جميع القوى اللبنانية باستثناء، مشكوك في صلابته لحزب الله وبعض القوى الهزيلة في حجمها والمشكوك في حقيقة تبنيها لمسيرة الوزير السابق باسيل نحو الرئاسة المقبلة، دون أن نغفل مواقف ثابتة ومؤثرة، خاصة على مستوى الولايات المتحدة التي ما زالت عقوباتها الرادعة على حالها المعلوم والمعروف، كما وعلى مستوى القيادات الأوروبية التي أفصح معظمها عن مواقفه السلبية بهذا الخصوص وأضمر بعضها نفس السلبيات والروادع.
في مطلق الأحوال، ما زلنا في خضم تجربة مستجدة لترسيخ حكومة الرئيس ميقاتي، وقد طفت بعض معالمها الأولية من خلال نتائج الزيارة التي قام بها الوزير السابق جبران باسيل للرئيس المكلف، والتي لم تثمر عن اتفاق على معظم النقاط التي كانت موضع خلاف حاد في مرحلة التشكيل التي «مطمطت» الى ما يناهز الأشهر التسعة وأسفرت عن نهاية صدامية واعتذار عن التأليف في نهاية مطاف حافل بالخفايا والخبايا، وصولاً إلى النتيجة السلبية المعروفة.
كل هذه التوقعات والتطورات المنتظرة تدفع بنا إلى تفهم موقف الرئيس ميقاتي باختصار مهلة التأليف إلى بضعة أسابيع، يكون بعدها حراً في لعبة المراجيح التي اعتاد على ممارستها، صانعو الأحداث ومحركو التوقعات.
وبعد،
في خضم هذه الأجواء والتحركات الألعبانية، تبقى في الأذهان، تساؤلات ذات مدى وتوقعات ملتبسة، موقف حزب الله من حقيقة ما هو حاصل، ومدى رغبته قولاً وفعلاً في وضع حدّ للتقلبات الحكومية ولمأساة اللبنانيين المستمرة والمتفاقمة، وهل سنبقى في إطار هذه المعمعة القاتلة للوطن والمواطنين حتى انتهاءٍ ما، وحتى الوصول إلى نتيجة ما، للجهود المبذولة ما بين إيران والولايات المتحدة بما فيه مصير بلدان الهلال الفارسي الذي يعاني الأمرين في الإطارات الحياتية جميعاً، وفي طليعتها لبنان.
كما يبقى تساؤل ملّح حول موقف القوات اللبنانية من مجريات الأحداث القائمة وانتقالها من أجواء الإئتلاف الوطني السابق إلى أجواء الانكفاء والانعزال التي تغوص فيه في المرحلة الحالية، التي تستدعي تكاتفا واستجماعا لكل العوامل التي يقتضي أن تؤدي إلى خلاص الوطن وإنقاذه؟!
تساؤلات وتوقعات لا نهاية لها، والوطن يغوص في جحيم ما بعده جحيم ويعاني في كل حقول الحياة ومطباتها ومع ذلك ومع دعائنا المخلص بأن يوفق الله الرئيس ميقاتي في تجاوز معيقات التأليف المقبلة، نستدرك فنقول: ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل.