بين يوم مُشرق في الأول من آب، وآخر مُحزن ومأساوي في الرابع منه، تحوّل الوطن إلى تراجيديا إغريقية تروي حكاية شعب منكوب، لا نهاية لمآسيه وآلامه، طالما بقيت هذه الطغمة السياسية مُتحكمة بمصير البلاد وبرقاب العباد.
كل الفرح والزهو بعيد الجيش حلت مكانه فجأة أجواء الحزن والإنكسار والإحباط في الإنفجار الزلزالي لمرفأ بيروت، الذي دمّر أجمل الأحياء التراثية في العاصمة، وقضى على المئات من الضحايا والشهداء، وشرّد آلاف العائلات من بيوتهم، وألحق الأضرار الفادحة بعشرات المستشفيات والمؤسسات المتواجدة في دائرة ثالث أكبر إنفجار في العالم.
لم تعد تقتصر المأساة على الخسائر الفادحة للإنفجار الرهيب بشراً وحجراً، بل لعل الكارثة تكمن في هذا الفشل والعقم الذي تُعاني منه السلطة الحالية، وتقاعسها في لملمة الجراح وتشكيل حكومة قادرة، وإظهار بعض النتائج في التحقيق العدلي، وبقاء الحقيقة ضائعة في ألاعيب الحصانات الملتبسة، والمناورات السياسية الفارغة، فضلاً عن المحاولات السخيفة بإلهاء الناس في التلاعب بأوتار العصب الطائفي، بحجة الدفاع عن حقوق الطائفة.
لا ندري كيف يتجرأ أهل الحكم على مواجهة الشعب المقهور، وعائلات الشهداء وأصحاب البيوت المتضررة بعد مرور عام كامل على وقوع المأساة، دون أن تُقدِّم الدولة الحد الأدنى من المساعدة، ودون أن يتكلف أقطابها عناء تلبية مطالب الدول الشقيقة والصديقة بتشكيل حكومة قادرة على إستعادة بعض الثقة المفقودة بالسلطة اللبنانية الفاسدة، والعمل على وقف هذا الإنحدار المريع.
سيقف المسؤولون غداً على أطلال مرفأ بيروت ويذرفون دموع التماسيح في خطابات لا معنى لها، تردد الشعارات الخشبية في تبرير الفشل والعجز، وكأن الأحياء المدمرة تحولت إلى حائط مبكى، لتغطية تقصير المسؤولين الفادح في التعامل مع الكوارث الإنسانية والمعيشية التي تضغط على البلاد والعباد، فيما أهل السلطة يبحثون عن حقيبة وزارية بالزائد، أو يتنافسون على وزارة الداخلية مثلاً، وكأن حبل نجاتهم من غضب الناس في الإنتخابات المقبلة معلق بهذه الوزارة التي تحولت إلى مقر لدفن أحلام اللبنانيين، شيباً وشباباً، بتغيير الطبقة السياسية التي عاثت فساداً في البلاد، ونكّلت بطموح شعب إعتاد على التفوق والريادة.
العودة إلى العقبات التقليدية والحسابات الحزبية والشخصية، والتمسك بسياسة العناد والإستكبار، بحجة الدفاع عن حقوق وهمية للطائفة، يعني بشكل واضح الإستمرار في نهج الإنتحار السياسي لفريق العهد، بكل ما يعني ذلك من نحر لهذا الشعب المغلوب على أمره، والقضاء على تبقى من مقومات وجود الدولة، وهو أصبح أقل من قليل، والإمعان في هتك هيبة المؤسسات الدستورية .
ماذا ينفع فريق العهد، أو غيره من الفرقاء الحزبيين والسياسيين، إذا خسروا البلد، وحصلوا على هذه الوزارة أو تلك؟
ماذا يبقى من الدولة إذا إجتاح الإنهيار الدفاعات المتداعية عن السلطة الشرعية، وسادت الفوضى وشريعة الغاب؟
كيف يبرر أهل الحكم، ومعهم المنظومة السياسية كلها، للناس إستمرار الفشل في إنقاذهم من نيران جهنم، التي يكتوون ويتلّوون بلهيبها، على إيقاع المشاكل الإقتصادية والإجتماعية المتفاقمة، التي فاقت أسوأ التوقعات؟
ad
لا نريد أن تكون ذكرى الرابع من آب المشؤومة مناسبة لـ«تبشير» اللبنانيين بأن الآتي سيكون أشد وطأة، وأن الأيام المقبلة ستكون أكثر ظلمة وسواداً، ليس بسبب العتمة الشاملة وحسب، بل وأيضاً نتيجة التدهور المتصاعد في الأحوال العامة، سواء بالنسبة لتحليق الدولار عالياً دون سقف محدد، أو إختفاء المحروقات والعديد من السلع الغذائية، وطبعاً معها الأدوية والمستلزمات الطبية، وتفشي سرطان البطالة وإنتشار فوضى الجوع والغضب في مختلف المناطق اللبنانية.
هذا السيناريو الأسود ليس قدراً محتوماً..، ولكن الإبتعاد عن إحتمالات حصوله وتجنب عواقبه المدمرة، يتطلب التخلي عن الأنانيات الحزبية والشخصية، وعدم الإصرار على الإستئثار بالسلطة وما يعني من إضعاف الشريك في الوطن، أو إلغاء الخصم أو المنافس في الطائفة، والتفرد بمغانم الحكم على قاعدة إستغلال البقرة الحلوب حتى النقطة الأخيرة.
وكل ذلك تتم ترجمته العملية بتوفير كل التسهيلات اللازمة لولادة الحكومة اليوم قبل الغد، وقبل أن ينفد صبر الأشقاء والاصدقاء ويقرفوا من ممارسات السياسيين اللبنانيين، ويديروا ظهورهم للوطن المنكوب بقيادييه.
ولكن في خضم غيوم المآسي والكوارث المخيمة على وطن الأرز، تطل في الأفق نجمة أمل واعدة تُسلط الضوء على المؤسسة العسكرية، ودورها الموعود في مهمة الحفاظ على أمن البلد، والعمل على إخراجه من دوامة الأزمات والإنهيارات التي يتخبط فيها منذ ١٧ تشرين ٢٠١٩ ، والتي تُهدد الجميع بالكوارث وبئس المصير.
والأول من آب محطة وطنية تجمع كل اللبنانيين تحت مظلة المؤسسة الوطنية الأولى، وهي مناسبة لرفع الصوت عالياً في وجه تُجار الطائفية البغيضة: إرفعوا أيديكم عن الجيش.