على رغم محاولات واشنطن لفت الانظار الى التحالف الذي شكّلته ضد الارهاب، فإنّ هذا التحالف في نظر كثيرين ما زال يفتقد الى جملة إجابات عن أسئلة عدة لم تروِ استراتيجية الرئيس باراك أوباما ظمأ سائليها.
أوّل هذه الاسئلة هو أنه اذا كان هذا التحالف هو بالفعل تحالفاً اقليمياً- دولياً فلماذا تغيب عنه حكومات ودول معنية مباشرة بهذه القضية كسوريا وايران، أو شريكة في القرار الدولي 2170 كروسيا والصين؟
وثاني هذه الاسئلة لماذا تتردد دول حليفة كفرنسا والمانيا، وحتى بريطانيا، في إبداء استعدادها للمشاركة في العمليات العسكرية ضد «داعش» ولا سيما في سوريا؟
وثالث هذه الاسئلة هو كيف سيتعامل هذا التحالف مع التحفظات التركية التي خرجت الى العلن خلال اجتماعات جدة، خصوصاً انّ تركيا تتخوّف من عمليات تقوم بها «داعش» داخل اراضيها بما يهدّد السياحة التركية التي تساهم في 35 مليار دولار سنوياً من الدخل القومي التركي؟
ورابع هذه الاسئلة هو كيف ستوفّق واشنطن بين أطراف في هذا التحالف تسود بينها خلافات عميقة، كالمملكة العربية السعودية وتركيا، وبين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة وقطر من جهة أخرى؟
وخامس هذه الاسئلة، ما هو دور حكومة العراق الجديدة في تنفيذ متطلبات هذا التحالف اذا كانت ايران غير موافقة عليها، خصوصاً انّ الاعتراضات الايرانية باتت اكثر وضوحاً، مثل الاعتراضات الروسية والصينية التي تعتبر أنّ أيّ عمل عسكري ضد «داعش» في سوريا اذا لم يحظ بموافقة الحكومة السورية سيكون عدواناً، حسب دمشق، وانتهاكاً للقانون الدولي، حسب موسكو.
وفي معرض الاجابة عن هذه الاسئلة المعقدة يقول خبراء في السياسة الاميركية انّ حملة أوباما الجديدة لن تكون اكثر من حملة علاقات عامة يريد من خلالها أوباما الديموقراطي ان يستقبل بها الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي، وذلك لإرضاء قوى الضغط الصهيوني وغير الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية.
فأوباما، حسب هؤلاء الخبراء، ما زال ملتزماً الخيارات التي وضعها تقرير لجنة بايكر – هاملتون التي تدعو الى الحوار مع ايران وسوريا، ناهيك بروسيا والصين، وذلك في إطار رؤية لدور أميركا في العالم يقود ولا يسود في مواجهة استراتيجية المحافظين الجدد التي اعتمدها سلفه جورج بوش الإبن وأغرقت بلاده في مستنقع افغانستان والعراق.
ويضيف الخبراء إيّاهم انّ أوباما الذي يتعرّض لضغوط شديدة لمَنعه من السير في سياسته التي تعتمد على تفاهم عميق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتدفع الامور في اتجاه الاتفاق النووي مع ايران، هو اليوم ومِن خلفه البنتاغون وقطاعات واسعة من الرأي العام الاميركي يُدرك مخاطر التورّط في مغامرات عسكرية لا بد من ان تتحوّل حروباً اقليمية ودولية.
ولذلك، فإنّ اوباما يعتمد سياسة التلويح لخصومه بمخاطر السياسات التي يدعونه الى السّير بها. وهنا يذكّر هؤلاء الخبراء كيف انّ اوباما استغلّ موقف مجلس العموم البريطاني قبل عام لرفض الحرب على سوريا لإقناع السياسيين المتشددين في بلاده بالعزلة التي ستواجهها واشنطن في حال انزلقَت الى سياسة الحرب على سوريا.
ويؤكد الخبراء انفسهم انّ أوباما يجيد صَوغ خطاباته على نحو يجعلها حمّالة وجوه، فهو يساير المتشددين في بلاده الى الحدود التي لا تهدد مصالح واشنطن واستراتيجياتها في المنطقة والعالم، وبالتالي يدعو الى الاعتماد على معارضة معتدلة في سوريا في مواجهة «داعش» والنظام السوري في آن معاً، وهو الذي كان يقول قبل اسابيع انّ هذه المعارضة مجرّد «فانتازيا». وكان اللافت أمس أنّ قسماً كبيراً من هذه المعارضة المسلّحة داخل سوريا قد اعلن رفضه القتال ضد «داعش»، وأنّ مهمته الوحيدة هي القتال ضد النظام.
في ظل هذه التناقضات المتعددة على كل المستويات، لا تترك للسياسة الاميركية، ومن خلفها اسرائيل، سوى إبقاء الامور على حالها في سوريا والعراق، أي أن يجري استنزاف الجيش السوري ومعارضيه المسلحين في آن واحد، ويجري تدمير سوريا وتدمير العراق بما يحقّق الحلم الإسرائيلي الدائم، والذي يريد ان ينتقل من تدمير العراق وسوريا الى تدمير بلدان اخرى في المنطقة، بما فيها لبنان ومصر والسعودية ودول الخليج، من دون ان ننسى إضعاف ايران وتركيا.
ولكن في مواجهة هذه السياسة يبرز تكتل دولي جديد يرتكز الى منظمة شانغهاي التي تضمّ الصين وروسيا، وتسعى موسكو الى ضَمّ الهند وباكستان وإيران اليها، بما يشكّل توازناً اقليمياً ودولياً يعيد بناء نظام دولي جديد لا يبقى لواشنطن فيه دور القطب الأحادي ودور الآمر الناهي.