مع معاودة الحياة الطبيعية لمجراها بعد مرور شهرين ونصف على إعلان حال التعبئة العامة، تعود الأزمة الإجتماعية المربوطة بالإنهيار المالي إلى مقدمة الأولويات الضاغطة على الحكومة، كما على المواطنين، وذلك في ظل حال التخبّط الواسع الذي تتكشّف معالمه في سياق القرارات والخطوات الحكومية المتّخذة من أجل ضبط الإرتفاع المخيف في الأسعار من جهة، وضبط سعر صرف الدولار من جهة أخرى.
وفي ضوء مبادرة الحكومة إلى فتح ملف التهريب على مصراعيه سياسياً وحدودياً، يؤكد وزير مواكب، أن توجّه حكومة الرئيس حسان دياب، بعد مرور مئة يوم على نيل الحكومة الثقة، أن المقاربة الحكومية لهذا الملف هي مختلفة تماماً عن كل المحطات السابقة المماثلة، ولو تشابهت معها في بعض الإجراءات، كما المواقف، كما ردود الفعل حتى من قبل المسؤولين اللبنانيين، وأيضاً من قبل مسؤولي القطاعات الإقتصادية والمالية. ويوضح أنه لم يعد من الممكن مواصلة الحديث عن مواجهة الإنهيار المالي، من دون تركيز الإهتمام على التسرّب الحاصل عبر الحدود للمواد التي تخضع للدعم من مصرف لبنان المركزي، خصوصاً بعد ضبط عمليات التهريب والمهرّبين بالجرم المشهود على الحدود الشمالية والشرقية.
ولذا، فإن الحكومة الحالية، سوف تنطلق من خلال المقاربة التي بدأت بها أولاً عبر فتح ملف الفيول المغشوش في القضاء، وملف التهريب من الناحية الميدانية، كما أوضح الوزير نفسه، تستمر في مواجهة الملفات الأخرى المطروحة على طاولتها، وفي مقدّمها الملف المالي من خلال التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على دعم مالي يؤمّن عودة التوازن إلى المالية العامة، ويخرج لبنان من الأزمة المالية الخطيرة التي تعصف به.
ولم يخفِ الوزير المواكب نفسه، الإشارة إلى ما تتعرّض له الحكومة في رحلتها الإصلاحية، ويؤكد أن الهدف الأساسي من خطتها المالية ليس كما يحاول البعض تصويره، وهو زعزعة الثقة في القطاع المصرفي اللبناني، لافتاً إلى أن اقتراح إنشاء خمسة مصارف متخصّصة لا يتناقض مع تصوّر الحكومة بالنسبة لهيكلة القطاع المصرفي الذي يعاني من ارتفاع في عدد المصارف قياساً على حجم لبنان. وفي هذا المجال، أوضح أن الطرح المالي يركّز في محوره على مسألة الدمج بين المصارف، وهو مفهوم وإجراء يجري اعتماده بين المصارف العاملة في لبنان، حيث نشهد على الدوام عمليات دمج وشراء من قبل مصارف كبيرة لمصارف صغيرة ومتعثّرة.
ومن هنا، فقد أكد الوزير ذاته، أن خطة الحكومة لا تزال في مرحلتها الأولية، وهي ليست نهائية، إذ أنها سوف تخضع للكثير من التعديلات، سواء خلال مناقشتها في مجلس النواب، أو خلال المفاوضات التي بدأت مع صندوق النقد الدولي، وهذه المعادلة تنطبق على العديد من أقسامها، ولكنها لا تنسحب على القاعدة التي وضعتها الحكومة منذ بداية الإعداد لخطتها وهي الإصلاح خطوة خطوة، وعدم التراجع عن استرداد كل ما سُلب ونُهب من المال العام تحت عناوين عدة، وفي العديد من المجالات، لأن للدول حقوق شرعية مكتسبة، وعلى كل المعتدين على هذه الحقوق أن يدفعوا الثمن، ولو بعد حين.