تحوّل القانون الأميركي لمكافحة تمويل «حزب الله» حول العالم الى أزمة لبنانية داخلية تثير المخاوف من نتائجها الكارثية في حال لم يتم ضبطها في اطار مقبول أميركياً، ومُوافق عليه داخلياً من قبل «حزب الله»، وقابل للتطبيق عملياً في القطاع المصرفي. فهل يكمن الوصول الى معادلة من هذا النوع؟
يثير تطبيق القانون الأميركي HIFPA أزمة في البلد مُرشّحة للتفاعّل في الفترة المقبلة. لكن أخطر الأمور المتصلة بالأزمة، والتي ظهرت حتى الان، يمكن اختصارها بالنقاط التالية:
اولا- لا توجد مرجعية محلية أو خارجية تستطيع ان تكون حاسمة في اعطاء توجيهات الى القطاع المصرفي، في شأن ما هو مسموح وما الممنوع وفق مندرجات القانون الأميركي.
ثانيا – لا يستطيع مصرف لبنان او الحكومة او أي مرجع آخر لعب دور الضامن للمصارف في وجه العقوبات الاميركية، خصوصا ان المركزي والحكومة معرضان كما المصارف الى العقوبات في حال قررت الادارة الأميركية المختصة انهما خرقا القانون.
ثالثا – ان «حزب الله» يمارس سياسة الترهيب على مصرف لبنان وعلى المصارف، رغم انه يعلم أن الطرفين لا يستطيعان الرضوخ لطلباته، (ملاحظة: هذا الكلام كُتب قبل تفجير فردان) لكنه يلجأ الى هذا الاسلوب للضغط على واشنطن لدفعها الى تليين ممارستها في تطبيق القانون، ما دامت أظهرت حرصاً على حماية القطاع المالي اللبناني.
لكن المقلق ان الحزب يحاول ان يتسبّب بشرخ في العلاقة بين المصارف فيما بينها من خلال الايحاء بأن بعض المصارف هي التي تجرّه الى المواجهة مع القطاع. كما يحاول تخريب العلاقة بين المركزي والمصارف من خلال الايحاء بأن بعض المصارف تتمرّد على قرارات مصرف لبنان.
رابعا – لا يوجد موقف موحّد لدى المصارف حيال تطبيق القانون، وهذا يؤدّي الى ثغرة خطيرة. هناك مصارف تجتهد اكثر من سواها في تطبيق مبدأ الـ (D Risking) وهذا من حقها، لكن مصارف اخرى لا تجتهد في هذا المجال، بما يسمح بالتساؤل اذا ما كان من الأفضل اليوم، التقنين في التوسّع باتخاذ الحيطة والحذر، ما دامت الادراة الاميركية مُتفهمة للخصوصية اللبنانية. وبالتالي، لا مصلحة في استدراج غضب حزب الله اكثر.
خامسا – ماذا سيكون موقف المصارف التي أغلقت حسابات نواب ووزراء حزب الله بعد قرار هيئة التحقيق المصرفية بأن حسابات هؤلاء لا تقع ضمن مندرجات القانون الاميركي. وماذا سيحصل اذا طلب هؤلاء النواب اعادة فتح حساباتهم في تلك المصارف بالذات؟
سادسا- اذا كانت الادارة الاميركية متفهمة للخصوصية اللبنانية، وتراعي مبدأ حماية القطاع المالي اللبناني، فهل ستبقى النظرة الأميركية ثابتة في هذا الاتجاه في حال كانت سياسة الادارة الأميركية الجديدة التي ستصل الى البيت الابيض في الخريف المقبل مختلفة في المنطقة؟
هذه النقاط التي تشكّل ملفات مُقلقة في الأوساط المالية، ترافقها حقائق لا تُقلّ خطورة، في مقدمها الاتهامات التي يوجهها حزب الله الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ووضعه في موقف الطرف، في حين أن الرجل اثبت حرفية عالية، وهو في موقع المسؤول، لا الطرف، وكان واضحاً في تلخيص النظرة الى القانون الأميركي، عندما قال ان لبنان يمتثل للقانون من أجل مصلحة اللبنانيين وليس من أجل مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.
لكن النقطة الايجابية في هجوم حزب الله على سلامة هي انها أعطته رصيدا اضافيا في الداخل والخارج. ومن البديهي ان الأسواق العالمية التي تقرأ بيانات حزب الله، باتت تعتبر ان سلامة مقاومٌ صلب، لا يرضخ لضغوطات، وهو بالتالي أضاف الى رصيد الثقة الذي يتمتّع به رصيداً اضافياً، يساعد في تسهيل التعاون مع لبنان الرسمي في ملف الأزمة موضع النقاش.
الى ذلك، هناك رهانات حاليا على اللوائح السوداء التي قد تصدر لاحقا عن الادارة الأميركية، وهل ستكون موسّعة ام محصورة. ويهمس البعض من قناة الحسابات التي جرى اقفالها في المصارف اللبنانية من دون ان يكون أصحابها على اللائحة السوداء، فهل سيصدف ان ترِد اسماء هؤلاء على اللوائح الاميركية الجديدة، وفي هذا الوضع ماذا سيكون موقف حزب الله؟ هل يمكن ان يتهم المصارف نفسها بأنها أوحت بطريقة أو باخرى الى الاميركيين لوضع اسماء أصحاب هذه الحسابات على القوائم السوداء؟
يقول مصرفي مخضرم، ان الوضع خطير وجدي. لكنه يعتبر ان الادارة الاميركية التي لا تستطيع ان تقول في العلن انها ستتهاون في تطبيق القانون، تتصرف باسلوب براغماتي اعتادت عليه الولايات المتحدة الاميركية، وهي بالتالي لن تُقدم على اي خطوة يمكن أن تُلحق الضرر الفادح بالقطاع المالي اللبناني، وهذا الأمر يشكّل في حد ذاته أفضل ضمانة حالياً للقطاع المصرفي في لبنان.