ذنبُهم أنّهم تسلّحوا بالعِلم لأكثر من 30 عاماً، وآمنوا بالمؤسّسات وربّوا أجيالاً على احترام القوانين، لذا يصعب عليهم اليوم أن ينزلوا إلى الشارع، أو يقطعوا الطرق أو يحرقوا الإطارات، رغم أنّهم منذ 6 أشهر لم يتقاضوا «ولا ليرة». هم أكثر من 600 أستاذ في التعليم الخاص، تقاعَدوا بعد 21 آب 2017، وتعويضاتهم معلّقة نتيجة الجدلِ في مجلس إدارة صندوق التعويضات حول آلية تطبيق سلسلة الرتب والرواتب والدرجات السِت التي منَحها القانون للمعلّمين. في هذا الإطار علمَت «الجمهورية» أنّ كَيلَ المتقاعدين قد طفَح، ويتّجهون إلى التحرّك على أكثر من مستوى للتوصّل إلى حلٍّ مع مكوّنات مجلس إدارة الصندوق بما يَحفظ كرامتهم ويَضمن حقوقهم.
«نِسيوا إنّو نِحنا أكتر من 600 صوت إنتخابي»، «الله يِحرمُن مِتل ما حَرَمونا»، «نِحنا بَدنا حقوقنا، ما يرَبّحونا جميلة»… مناشدات بالجملة هزّت جدرانَ قصر الأونيسكو بعد ظهر أمس، بعدما اجتمعت نقابة المعلّمين ونحو 100 معلّم متقاعد للاتفاق على خطوات إجرائية، ولمناقشة اقتراحات يمكن رفعُها إلى مجلس إدارة صندوق التعويضات لحلّ أزمة التعويضات.
لا للمسايرة…
في هذا السياق حمّلَ نقيبُ المعلّمين رودولف عبّود في حديث لـ«الجمهورية»: «مسؤولية التأخير للجهةِ القانونية في مجلس إدارة الصندوق والتي دورها أن تبتَّ بالموضوع حسب القانون، من دون مسايرة»، معتبراً «أنّه حانَ الوقتُ لوضعِ حدٍّ للمسايرة وتطبيق القانون، وإجبار من لا ينفّذه على الالتزام به». وأضاف: «قرار مجلس إدارة صندوق التعويضات لا يجب أن يقفَ فقط عند قرار أصحاب المؤسّسات التربوية.
ونأسف أنّنا طرَحنا الكثيرَ من المشاريع بما يَحفظ حقوقَ المتقاعدين لكن من دون جدوى». واعتبَر أنّ: «المشكلة المرافِقة للتعويضات هي ترجمة لرفضِ أصحاب المؤسسات التربوية المطلق الاعترافَ بالدرجات السِت وبأيّ حلّ يتعلق بالحفاظ عليها للمعلّمين».
في التفاصيل…
عند الساعة الرابعة بعد الظهر، بدأ الاجتماع على وقعِ تأفّفِ المتقاعدين من ظروفهم، فبَينهم مَن لم يعُد وضعُه الاقتصادي يَسمح له في الانتظار، وآخَرون يُسابقون ظروفَهم الصحّية. حاوَل أمين عام النقابة وليد جرادي امتصاصَ غضبِ الجميع موضحاً الغاية من الاجتماع: «لا نهدف للوقوف على الأطلال إنّما التشاور معكم واتّخاذ القرارات الحاسمة بشأن الوضعِ غير المحمول، منذ 40 عاماً وأنا في العمل النقابي لم أشهد ما نحن فيه».
وأضاف مناشداً الرؤساء الثلاثة: «الوضع لم يعُد يُطاق، ما عاد بوسعِنا «العضّ ع الجرح»، ورسالتُنا موجّهة ليس فقط إلى وزير التربية مروان حمادة إنّما إلى الرؤساء الثلاثة، ونوجّه نداءً مِن هنا بإصدار تعميم بتطبيق القانون 46، ووضعِ حدٍّ للمعرقِلين».
أمّا أنطوان مدوّر أحد ممثّلي نقابة المعلّمين في مجلس إدارة صندوق التعويضات، فاستعرَض توالي الأحداث في اجتماعات مجلس إدارة الصندوق، قائلاً: «هناك من يلومنا وآخَرون يشدّون على أيدينا، وفي الحالتين نتفهّم الجميع، فالذي يلومنا هو موجوع وما عاد بوسعِه العيش من دون مدخول وسط التزاماته المادّية، والذي يشدّ على أيدينا متمسّك بكاملِ حقوقه ويَرفض التراجعَ عنها واحداً في المئة». وأضاف: «لكنْ في نهاية المطاف لا بدّ من أن تعلموا بمسارِ الاجتماعات التي عُقِدت في مجلس الصندوق».
وسرَد بإسهاب تفاصيلَ الاجتماعات التي دارت ونقاطَ الخلاف لجهة عدمِ اكتمال التواقيع على المضيّ قدُماً في منحِ الأساتذة حقوقَهم والدرجات السِت. فقاطعَته إحدى المتقاعدات مِن حرقة قلبها: «خافوا يِعترفوا بالدرجات إلنا المتقاعدين، ويصِيروا ملزَمين يِدفعوا للمعلمين، ليش ما بيِفصلوا درجاتنا؟ يا عمّي بدنا نعيش!».
وأكملَ مدوّر «أنّ موضوع الدرجات السِت ليس له علاقة بالمدارس، لأنّ هذه الأخيرة لا تُسدّد من جيبِها الخاص إنّما الصندوق هو مَن يدفع. ولكن بما أنّهم إذا وافقوا على الدفع للمتقاعدين سيَدفعون للمعلّمين، لذلك يمتنعون عن توقيع تعويضات المتقاعدين».
بعدها كانت كلمةٌ لجمال حسامي أحد ممثّلي نقابة المعلّمين في مجلس إدارة صندوق التعويضات، أوضَح فيها آليّة عملِ مجلس إدارة الصندوق، وأسفَ قائلاً: «إذا اعترضَ شخصٌ من ممثّلي المؤسّسات التربوية الخاصّة تتعطّل الأمور، أمّا إذا اعترضَت أطراف أخرى تبقى الأمور على ما هي عليه».
وأضاف: «بعض الأساتذة يطلبون منّا رفعَ حلِّ المضيّ قدُماً في تعويضاتهم، على أن يتمّ الاتّفاق لاحقاً على الدرجات السِت نظراً إلى افتقارهم لأيّ مصدر تمويليّ آخر. حاوَلنا في مجلس الإدارة أخذ السلسلةِ والاتّفاق على أخذِ الدرجات السِت بعد 6 أشهر، ولكن بلا جدوى، وللأسف غيرها الكثير من الحلول التي طرَحناها ورفضَها مجلس إدارة الصندوق».
ماهي الخيارات؟
تعدّدت اقتراحات المتقاعدين ومنها: اللجوء إلى القضاء، المزيد من الانتظار، الاعتصام أمام مركز الصندوق، زيارة الرؤساء الثلاث، طلبُ التعويض وتوقيع مذكّرة تضمن حقوقَ المتقاعد في الحصول على الدرجات السِت عندما تُحَلّ… وبالنسبة للّذين يعانون من ظروفٍ معيشية قاهرة فإنّهم استفسَروا عن إمكان تقاضي التعويض من دون الدرجات السِت.
أمّا الاقتراحات والخطوات الإجرائية التي أجمعَ المتقاعدون عليها فهي:
- مواصلة المطالبة بنيلِ الحقوق كاملةً، بصرفِ النظر عن الوقتِ الذي ستحتاجه القضية.
- السعي بشتّى الوسائل للتوصّل إلى اتّفاق حول دفعِ التعويضات للمتقاعدين ضِمنها غلاءُ المعيشة والسلسلة، مع ضمانِ الحفاظ على الدرجات السِت ضِمن صياغةٍ واضحة تضمن تحصيلها لاحقاً.
- اللجوء إلى القضاء وتقديم شكوى جماعية، وذلك انطلاقاً من أنّ القانون يَمنح صندوقَ التعويضات 3 أشهر للبتّ في التعويض للمتقاعد بعد أن يكون قدّم طلبَه، وبما أنّ الصندوق تجاوَز المهلة إلى 6 أشهر يمكن الاحتكام إلى القضاء والقانون لتحصيل مكاسبِ المتقاعدين، بعد أن يكونوا قد اتّفقوا على تقديم توكيل جماعي إلى محامٍ خاص بالنقابة يَحمل قضيتهم.