كان صمت سليمان فرنجية على أثر خروجه من الرابية بعد لقائه العماد ميشال عون، أكثر من معبّر ويفصح عن سيل من الكلام، يمنع الماء العالق في الفم، من البوح به. لا يكفي أن تقف أساطيل الدعم الدولي أمام الشواطئ اللبنانية دعماً لمبادرة باريس، كي ترتدي الأخيرة ثوب توافق محلي، لا بدّ منه كي يصير المرشح رئيساً.. فالممانعة الداخلية لا تزال صاحبة الكلمة الفصل.
هكذا، أعاد الجنرال الاستحقاق الرئاسي الى مربعه الأول، مكرساً ما أكده الأمين العام لـ «حزب الله» بأن الحليف البرتقالي هو الممر الإلزامي للانتخابات، ولا يمكن بالنتيجة تجاوزه، حتى من أقرب المقربين، زعيم «المردة».
استعاد ميشال عون زمام المبادرة ليقول لمن يهمه الأمر: أنا المرشح الأول، ومن بعدي تأتي البقية. كثيرة هي الاعتبارات التي دفعت بالرجل الى التمسك بورقة ترشيحه، ولو أنّه شعر في لحظة التفاهم الباريسي أنّ بساطها يسحب من تحت قدميه، ولعل أهمها التطورات الإقليمية التي لا يرى فيها الا عاملاً مسانداً له، سيقدم له ما مُنع عنه طوال فترة الشغور الرئاسي. ولذا يحتفط بمكانته في أعلى سلّم الترشيحات.
هكذا، علّقت مبادرة سعد الحريري أو جمّدت. ثمة من يقول إنّ المظلة التي هبطت على الزعيم الزغرتاوي لم تكن استسلاماً من جانب محور «14 آذار» وحلفائهم الإقليميين، بقدر ما هي حصيلة حسابات دقيقة كرست هذا الخيار لأسباب عديدة، نقلت سليمان فرنجية من خانة المغضوب عليهم الى المرضي عنهم. ولهذا، فإن هذا الطرح قد يبقى حيّاً يرزق، الى أن يتبدل بعض الظروف.
بالنتيجة، سيضع فخامة الشغور رجلاً فوق رجل على كرسي الموارنة، بانتظار حدفة ما، في الداخل اللبناني، أو في الإقليم، من شأنها أن تغيّر توازن الرعب القائم، الذي يفرض فيتوات تحول الى اللحظة، دون اتمام الاستحقاق الرئاسي.
على هذا الأساس، ثمة من يعتقد أنّ الاحتمالات المرتقبة لـ «الفيلم الرئاسي الطويل»، صارت على الشكل الآتي:
– أن يتنحى الجنرال ميشال عون لصالح حليفه سليمان فرنجية على أساس تسوية شاملة تبدأ بالرئاسة ولا تنتهي بقانون الانتخابات، وذلك في حال اقتنع رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» أن حظوظه الرئاسية صارت معدومة وأنّ الأحداث الحاصلة خلف الحدود لن تكون لمصلحته في فرض أجندته وهي أن يكون هو صاحب الفخامة، وأنّ الوقت لن يكون الى جانبه.
– أن ينجح ميشال عون في تأمين تفاهم مسيحي حول ترشيحه يضمّ بطبيعة الحال سمير جعجع وأمين الجميل فيما وقوف فرنجية الى جانبه بديهي. وبهكذا مظلة بإمكانه إحراج «تيار المستقبل» وبقية الممانعين لرئاسته وتقديم اسمه كعنوان تفاهمي بين الأقطاب الأربعة المتهمين بأنهم عاجزون عن التوافق على مرشح من بينهم.
– رفع الفيتو السعودي ارادياً عن اسمه فيصير مقبولاً من هذا الجانب، ويصبح ترشيحه توافقياً بمعنى انضمام «تيار المستقبل» الى جبهة المؤيدين له أسوة بما حصل مع زعيم «المردة» حين قرر «الزرق» رفع ترشيحه الى مرتبة التوافقي على قاعدة التفاهم الثنائي.
– تسارع التطورات الإقليمية بشكل انقلابي، بمعنى إما انتصار المشروع السعودي بشكل يتيح له التعامل مع الملف اللبناني على قاعدة الغالب والإتيان برئيس من جانبه ويمثل خياره الاستراتيجي، وإما هزيمته بشكل يتيح للمنتصرين التعامل معه على قاعدة المغلوب والإتيان برئيس من الجانب الآخر من دون الحاجة الى الديوان الملكي السعودي كلاعب مؤثر. في الحالة الأولى قد يطير ترشيح الجنرال نهائياً، وفي الثانية قد يتوّج رئيساً.
– الاتفاق على مرشح من خارج «نادي الأربعة» يكون تسووياً بين الفريقين وفق سلة تفاهمات تكرس التوازن بين فريقي النزاع تكراراً لسيناريو ميشال سليمان في الدوحة.
– اللجوء الى آخر الدواء، الناخبين، للخروج من المأزق الرئاسي عبر الاتفاق على قانون انتخابي يعيد انتاج السلطة من خلال برلمان جديد يمثل توازنات القاعدة، وينتخب رئيساً للجمهورية على هذا الأساس.