Site icon IMLebanon

60 «رامبو» سورياً لدحر «داعش»!

 كنا نظن ان أصحاب الدعاية الجامحة في هوليوود وحدهم يهوون المبالغات، فصنعوا أفلاماً عن «رامبو» الذي هزم بعضلاته كتائب كاملة من جنود الأعداء، وعن الأبطال الأميركيين، وخصوصاً اليهود منهم، الذين أنقذوا مراراً كوكب الارض من التدمير وغزو الكائنات الفضائية، ونقلوا إلى الشاشة عشرات الروايات الهزيلة عن بطولات مجموعات صغيرة من قوات النخبة الأميركية نكلت بآلاف النازيين الألمان في عقر دارهم، قبل ان يوجهوا بطولاتهم نحو السوفيات والصينيين، لكن ظننا خاب بعدما أعلن ضباط البنتاغون انهم لم يعثروا سوى على 60 معارضاً سورياً «موثوقاً بهم» لتدريبهم على قتال «داعش» وإزالة «دولته الاسلامية» التي تزيد مساحتها عن مساحة بريطانيا، وتتمدد.

لكن الهوليوديين، على الأقل، فعلوا ذلك في معظم الاحيان بحرفة وقدرة على التشويق جلبت المشاهدين الى الصالات وجنت أرباحاً خيالية، بينما أثبتت وزارة الدفاع الاميركية ضمور خيالها وضيق أفقها عندما خصصت ملايين الدولارات وخاضت مفاوضات صعبة مع دول عدة لاستضافة برنامج التدريب الخاص، ليتحول لاحقاً الى تمرين على التدريب.

وسبب هذا الفشل المخجل ليس فقط ان الاميركيين يشترطون على من ينخرطون في التدريب مقاتلة «داعش» وحدها والعفّ عن مقاتلة جنود بشار الاسد، ويخضعونهم قبل ذلك لتحقيق مطول ينبش تاريخهم وتاريخ آبائهم وعائلاتهم وقبائلهم، بل الفكرة التي تريد واشنطن تثبيتها بأي ثمن، وهي انه ليس هناك «معتدلون» في صفوف المعارضة السورية، وان سوادهم الاعظم من المتطرفين، ولهذا لا تسلحهم ولا تدافع عنهم ولا تسمح بإقامة مناطق حظر جوي لحمايتهم.

كأن الأميركيين يقولون رفعاً للعتب: فعلنا ما علينا، وضعنا برنامجاً للتدريب وخصصنا الاموال وأرسلنا الضباط، لكن السوريين لا يريدون مقاتلة «داعش» بل يريدون اطاحة الأسد، وهذا ليس شغلنا. بل ان الاسلحة التي قد نعطيها لهم ربما تستخدم في غير محلها وتصل الى أيد غير التي نريد، وقد توجه الينا لاحقاً.

وقصرُ عدد المقاتلين السوريين «المعتدلين» على الستين، هدفه أيضاً تبرير سلسلة التوقعات الاميركية بأن الانتصار على «انغماسيي» البغدادي يتطلب سنوات طويلة وقد يستغرق عقداً من الزمن وربما أكثر، ويكون عندها فات الوقت على سورية كلها. فإذا كان اختيار وتدريب 60 مقاتلاً استغرق نحو سنة، فهذا يعني ان الرقم المستهدف، وهو ستة آلاف مقاتل، سيتطلب ما لا يقل عن مئة سنة، في حال عُثر عليهم.

وحتى هؤلاء الستون الذين نالوا بركة الـ «سي آي أي» وأجهزة الاستخبارات الاخرى، سيبقون بعد انتهاء التدريب تحت الاختبار، وسيرى الأميركيون بالمجهر كيف سيتصرفون والى اين سيوجهون بنادقهم. فإذا ما تجرأ أحدهم على إطلاق رصاصة في اتجاه جندي نظامي فوجئ به او اقترب منه بدبابة، رُفعت عنه الحماية، وأشهر ذلك على الملأ، وسحبت فوراً الطائرة والقمر الاصطناعي المخصصان لدرء الخطر عنه.

ولا يفصح البنتاغون لأسباب تتعلق بالأمن القومي عن طول فترة تدريب «مجموعة الستين» ولا في أي الجبهات سينشر رجالها، ولا ما اذا كانوا سيقسمون الى مجموعات عدة ليكون الهجوم على «داعش» شاملاً لا يستطيع له رداً.

ألم يكن أجدى لو ان الاميركيين انتجوا بالملايين التي تكلفوها على البرنامج العتيد فيلماً عن دحر «داعش» وأشركوا فيه «رامبو سورياً» متخرجاً في معسكراتهم؟ لكانوا بالفعل أراحوا ضمائرهم وأمتعونا وجعلونا نحلم ونصفق بحماسة.