IMLebanon

65 صوتاً مضموناً لعون، ولكن…

 

كل الأصداء الواصلة من أوساط سعد الحريري وزواره الى الرابية تحاول أن تعكس الإيجابية. لكنها طبعاً لا تكفي ولا تحسم. في الأيام القليلة الماضية، توالت الإشارات وتكثّفت. زيارات «المستقبليين» إلى عون كادت تجتاح مواعيده. القرار الحريري بمنع أي انتقاد للجنرال، والذي أشارت إلى صدوره هذه الزاوية في حينه، سارٍ بشكل دقيق منذ صباح الأربعاء 7 الجاري. لم يخرقه على هواء «المستقبل» إلا صوتان. سرعان ما اتضح أنهما «ضيفان»، ليسا من أهل البيت المعنيين بالتعميم الداخلي أصلاً. لا بل هما من الفريق المهجوس هذه الأيام بتحوله «مخدوعاً»، وإن بلا زيجة ولا خطبة ولا حتى صحبة…

أصلاً، وفي هذا السياق، يروي أحد زوار باريس في الأيام الماضية، إنطباعاً شخصياً بأن الجليد المتراكم على خطوط الحريري مع بعض «حلفائه» صار أكبر من أن يخفيه أي ربيع عربي أو صيف رئاسي. كأن أحداثاً ثلاثة تفاعلت فرفعت ذلك الجدار أو حفرت تلك الهوة. أولاً، حدث قانون اللقاء الأرثوذكسي قبل سنة ونيف. لا لأن أحد الحلفاء مشى به أو أوحى بالمناورة بواسطته. بل لأنه كان أول من بادر إلى إعلان تبنيه وطرحه في بكركي والعمل على تسويقه وإقراره… وكل ذلك، من دون كلمة مع الحريري. ثانياً، حدث تشكيل الحكومة السلامية الأخيرة، والمواقف المتخذة منها وبعدها. يقرأ الزائر الباريسي في سحنة مضيفيه كمن يقولون له: طبيعي أن تتباين الآراء وأن تتمايز المواقف. وطبيعي ربما أن تبلغ حدود الاختلاف والاتفاق عليه. فيدخل أحدنا الحكومة ويبقى آخر خارجها. أما أن يعمد الباقي خارجاً إلى إطلاق حملة دعائية إعلانية، انكب هو شخصياً على تصميمها وإعدادها، ليقول لنا بواسطتها إنه وحده «صاحب مبدأ وإننا نحن بلا مبادئ»… فهذا كثير. يبقى الحدث الثالث، الترشيح الرئاسي في حد ذاته، وهو آخر اللطخات على ما تبقى من أبيض الصفحات. يتابع الزائر: منطقي جداً أن يجعل أي سياسي من موقف له أمراً واقعاً. وفي ذلك ذكاء وشطارة في إحراج الخصوم. أما أن يسعى أحدهم إلى جعل موقفه أمراً واقعاً لإحراج حلفائه، ولضرب هامش المناورة عندهم، ولمنعهم من المبادرة أو التصرف أو القرار، فعندها يصير السلوك تذاكياً وتشاطراً. ومتى تعلق الأمر باستحقاق رئاسي، يصير التذاكي والتشاطر أقرب إلى الطعن والغدر.

كل هذه الأجواء وغيرها الكثير بالتفاصيل المملة، تنتقل يومياً من الأجواء الحريرية القريبة والبعيدة، إلى صالونات الرابية. أجواء يزيد من صدقيتها الكلام المتردد داخل مسيحيي 14 آذار، بأنهم مطمئنون إلى «الموقف الخليجي» منهم. من دون أي ذكر لزعيم فريقهم السياسي المنفي. ينظّرون بأنهم مرتاحون لأن سياقات المشهد الإقليمي لم تبلغ حد نضوج أي ثمن لأي تبديل جدي أو جذري في المواقف. كمن يوحي بأنهم لم يعودوا يركنون إلى ثبات الحريري، بل إلى عدم قدرة الإيراني على دفع الثمن للسعودية كي تبدل في مواقفها، فتفرض التبديل المقابل في الداخل اللبناني.

أصلاً يبدو كأن الجميع موافق على هذه الجزئية من الصورة. بأن لا شيء محسوماً في الرياض. زوارها في الأيام الماضية عادوا بانطباع أن لا جديد. السفير دايفيد هيل، حين أُبلغ بأن سعود الفيصل رحب بزيارة نظيره الإيراني، تابع مضغ طعام غدائه، وكأنه يسمع خبراً قديماً أو بلا قيمة. الإيرانيون خففوا من كلام الفيصل حتى كادوا يهمسون: وهل يكون هو في موقعه عند تلبية الدعوة؟! حتى الذين ينقلون إيجابية الحريري حيال عون، يؤكدون أن صاحبها يدرك وقوف إيجابيته عند حدود عدم صدور القرار السعودي بعد. وهو ما يجعله متحفظاً إلى أقصى حدود، كي لا يكون في موقع إعطاء الوعود إلى من يستحق، لكن ممن لا يملك.

وسط هذا المشهد الشائك والمعقد، تصل إلى الرابية كل يوم اجتهادات وقراءات. منها أن لا ضير من الانتظار، حتى ولو إلى ما بعد الشغور. فما لم ينضج لبنانياً قبل 25 أيار، سينضج حكماً إقليمياً بعد هذا التاريخ. لكن ميشال عون يرفض هذا المنطق. كأنه يعيده ربع قرن كامل إلى الوراء. إلى يوم جاءه من يبلغه أن رئيساً خارجياً قرر أن «يهبه» رئاسة جمهورية لبنان. فكان الرفض، وكان ما بعد الرفض مما كان. ومن النظريات المطروحة على عون أيضاً، عدم انتظار الحريري ولا من ينتظره الحريري. بل الذهاب إلى مجلس النواب وخوض المعركة للفوز بـ 65 صوتاً. يبتسم الرجل. هو من يلتزم طيلة حياته قاعدة ألا تكشف ثلاثاً: لا نقاط ضعفك ولا نقاط قوتك ولا نياتك. لكنه هنا يكشف شيئاً منها: النواب الـ 65 مضمونون. حتى أن كل المعنيين بالمعركة وكواليسها وأسرارها باتوا يدركون ذلك. لكن أي رئيس ينتخب بأكثرية كهذه؟ كيف ينقذ البلد من يأتي بنصفه؟ أي خلاص لوطن برئاسة لم تخلص إلا على حدود الرسوب؟

هكذا يدرك عون أن الرياح الخارجية قد تساعده على الوصول إلى بعبدا بعد الشغور. لكنه لا يريد إلا انتخاباً لبنانياً. وبات عون مطمئناً إلى وجود 65 نائباً ينتخبونه رئيساً، لكنه يريد وفاقاً قبل الرئاسة، ولها وبعدها. فالرجل متخم من الألقاب. جل ما يريده الآن، لا أن يكون للرئاسة مجرد انتخاب، بل أن يكون للإنقاذ وللميثاق والوفاق نصاب.