من حقّ الرئيس نجيب ميقاتي أن يلتقط مناسبة انطلاق الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» من أجل أن يدافع عن نفسه حيال اتهامه بأنه شكّل حكومة لتغطية ضرب «حزب الله» للطائفة السنية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يحقّ للرئيس سعد الحريري ما لا يحقّ لميقاتي؟
وجّه الرئيس ميقاتي جملة أسئلة تزامناً مع انطلاق الحوار بين «المستقبل» والحزب، وأبرز ما جاء فيها: «أليس من حقنا أن نطّلع على الأسباب التي منعتكم ثلاث سنوات عن الحوار، وبالتالي الأسباب التي أملَت عليكم العودة إلى حوار أدركنا أهميته وطالبنا به وعملنا من أجله؟
أليس من حقّنا أن نسأل مَن بُحّت حناجرهم تصعيداً وتجييشاً وتهديداً ووعيداً والذين رسموا لاءات وثوابت رفضاً لأيّ حوار وتلاق، ثم استبدلوها بنعم من دون أي تغييرات جدية؟ لماذا الآن وكيف؟».
فالأسئلة التي وجّهها ميقاتي مشروعة، إذ إنّ من حقه الدفاع عن نفسه أمام شارعه في معركة وجود يخوضها مع تيار «المستقبل»، خصوصاً انه حاول طيلة رئاسته لحكومته الثانية الظهور بمظهر المدافع الشرس عن حقوق أهل السنة من صلاحيات الرئاسة الثالثة إلى المحكمة الدولية وما بينهما منع المَساس بالمواقع الإدارية والأمنية المخصصة للطائفة السنية.
وقد وجد ميقاتي بالحوار مناسبة ليخاطب الشارع السني ويقول له إنه ليس فقط لم يتنازل عن حقوقه، إنما كان رؤيوياً وسبّاقاً في فتح الحوار مع «حزب الله»، وذلك في رسالة إلى هذا الشارع بأنّ موقف «المستقبل» هو شخصي لا مبدئي، حيث أنه فتح الحوار لحظة وصوله إلى السلطة، وعارَضه عندما كان خارجها، الأمر الذي يطرح التساؤلات الآتية: لماذا يحقّ للحريري أن يشكّل حكومة مع «حزب الله» ولا يحقّ لميقاتي ذلك؟ ولماذا يحقّ للحريري الذهاب إلى حوار ثنائي مع الحزب ولا يحقّ لميقاتي ذلك؟
وفي الإجابة، يمكن التوقّف أمام الآتي:
أولاً، هل تقبل الثنائية الشيعية، في ظلّ صراع سني-شيعي وسعودي-إيراني، أن تسمّي الأكثرية السنية أو ١٤ آذار رئيساً للمجلس من خارج صفوفها ولو كان يحمل أهدافها السياسية نفسها؟ بالتأكيد كلا.
ثانياً، هل تقبل الثنائية الشيعية أن يؤتى برئيس مجلس بمعزل عنها بعد إسقاط الرئيس الحالي في سياق اللعبة البرلمانية؟ بالتأكيد كلا.
ثالثاً، هل يختلف اثنان بأنّ الرئيس ميقاتي تمّ تكليفه بعد إسقاط الرئيس الحريري، أي بعد إسقاط الشخص الذي يمثّل الغالبية السنية في لبنان من أجل الإتيان بشخص يمثّل بالحد الأقصى جزءاً من الشارع السني الطرابلسي؟
رابعاً، هل يختلف اثنان أنّ إسقاط حكومة الحريري كان يرمي في الوقت نفسه إلى إسقاط الـ»سين-سين» من أجل إخراج النفوذ السعودي من لبنان وإعادة النفوذ الأحادي السوري في محاولة لإعادة الوضع في لبنان إلى ما قبل انتفاضة الاستقلال؟
خامساً، هل يختلف اثنان أنّ المملكة العربية السعودية، التي تمثّل اليوم الوجدان السني في العالم، كانت قد اعتبرت أن إسقاط الحريري رسالة موجّهة ضدها مباشرة، ورفضت التعامل مع ميقاتي إلا في حدود اللياقات الرسمية كي لا تعلن القطيعة مع لبنان؟ فأين لقاءات ميقاتي في المملكة؟
وهل يحظى بالغطاء السعودي مقارنة بالرئيس الحريري؟ وهل يمكن إغفال القطيعة السعودية التي شملت النائب وليد جنبلاط على رغم علاقاته التاريخية مع الرياض؟ حيث أنّ الملك السعودي ما زال لغاية اللحظة يرفض تحديد موعد له على خلفية تصويته للرئيس ميقاتي في استشارات التأليف.
سادساً، هل يختلف اثنان بأنه لولا الثورة السورية لكان أقفل «بيت الوسط» وانتهت ١٤ آذار وعاد لبنان إلى زمن الوصاية؟ فهذه الثورة بالذات هي التي جعلت ميقاتي يراجع حساباته، لأنّ النظام الذي يتكئ عليه اهتزّ ودخل في غيبوبة طويلة. وفي هذا السياق أيضاً هل يختلف اثنان بأنه لولا هذه الثورة لَما كان «حزب الله» تراجع عن إمساكه مفاتيح السلطة الثالثة التي أعادها إلى تيار «المستقبل» بغية أن يتولى المواجهة مع التطرّف الثاني؟
سابعاً، هل يختلف اثنان بأنّ الحوار المتوازن يتمّ بين فريقين أكثريّين وليس بين فريق يمثّل الأغلبية الشيعية وفريق آخر يمثّل الأقلية السنية؟ فالحوار لا يستقيم في حال لم يكن بين متساوين، وخلاف ذلك يتحوّل إلى غطاء هدفه الإيحاء بوجود أفضل العلاقات بين السنة والشيعة. فيما بالعمق يكون هدفه استبدال الأكثرية بالأقلية من أجل إخضاع هذه الأكثرية.
وطالما الشيء بالشيء يُذكر، فما أهمية أيّ حوار مع الشيعة خارج الثنائية الشيعية؟ فالتواصل مع كل القوى والشخصيات أمر مطلوب، ولكن لا يجوز الخلط بين التواصل وبين الحوار مع القوى التمثيلية.
فلكل هذه الأسباب وغيرها تفتقد تساؤلات ميقاتي المشروعة إلى المشروعية الوطنية. وإذا كان أحد لا يشكّك بنوايا رئيس الحكومة السابق وتوجهاته، إلا أنّ هناك حقائق لا يمكن تجاهلها، وفي طليعتها أنّ الأقلية السنية التي لا تحظى بغطاء السعودية لا يحقّ لها الدخول في أيّ حوار أو تسوية مع الأكثرية الشيعية التي تحظى بغطاء إيران. فالحوار يكون بين الممثلين الفعليّين، والتسويات لا تصمد إلا إذا كانت بين الأقوياء داخل الطوائف.
فهذا هو الواقع في ظل النظام اللبناني الحالي، وسيبقى كذلك إلى حين إلغاء الطائفية السياسية، وكلّ الأمل كان أن تشكّل التكتلات العابرة للطوائف بين 8 و14 آذار معبراً نحو الصراع بأبعاد وطنية لا طائفية ولا مذهبية، ولكن التجربة لغاية اليوم لم تكن مشجعة على رغم بعض المحطات المضيئة.
وأمّا الحوار السني-الشيعي والمسيحي-المسيحي فلن يقدّم ولن يؤخّر في المشهد السياسي، وكان من الأنسَب أن تقتصر المساحة المشتركة بين أطراف النزاع على الحكومة ومجلس النواب من دون الذهاب إلى خطوات متقدمة تفكّ الاشتباك من دون أن تقدّم حلولاً. وللبحث صلة.