واجب مجلس الوزراء ليس مقتصرا على توقيعه مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لانتخاب أعضاء المجلس النيابي. فهذا هو الجانب القانوني من الواجب، بصرف النظر عن الجدل القانوني حول مفعول التوقيع الذي جاء متأخراً ولو يوماً واحداً. أما الجانب الوطني والسياسي، فانه الإصرار على الخطوات العملية التي تقود الى اجراء الانتخابات. وأما التحدّي أمام الجميع، فانه مواجهة المرسوم للبنان من مخططات، سواء كانت مفاعيلها في اطار الحرص على الشغور الرئاسي لخدمة أهداف محدّدة أو كانت في اطار التخلص من الجمهورية.
ذلك ان الطريق الذي يوحي المرسوم انه مفتوح نحو الانتخابات مغلق من البداية، فكل شيء يبدو كأنه يدور حول التمديد للمجلس النيابي، وسط خليط من الصراحة والباطنية في المواقف. وكل شيء يدار بحسابات الشروط المطلوبة للتمديد، مع استمرار الأحاديث عن الانتخابات. ولا شيء ينطبق على التعامل مع هذا الوضع السوريالي أكثر من النصيحة التي سمعها نيكسون من خروشوف.
خلاصة النصيحة انه اذا آمن الشعب بوجود نهر، ولو بالخيال، فلا تخبره بأنه ليس هناك نهر. ولكن بادر الى بناء جسر خيالي فوق النهر الخيالي. وهذه حالنا: المطالبة بالانتخابات تشبه الحديث عن النهر الخيالي. ومرسوم دعوة الهيئات الناخبة هو الجسر الخيالي الذي بناه مجلس الوزراء فوق النهر الخيالي.
ولا نقص في الحجج لدى المتحمسين للتمديد أو لدى المسلّمين به كقدر. لا في باب المخاطر على الوضع الأمني. مع أن الأوضاع في العراق وسوريا وليبيا التي أجرت انتخابات أخطر من الوضع اللبناني. ولا في باب الاحتياط للحؤول دون الوصول الى الفراغ الكامل: لا رئيس جمهورية، لا برلمان، ولا مجال لأية انتخابات نيابية ورئاسية. مع ان الطريق الأقصر والأسلم للخروج من هذا الوضع هو التوافق على انتخاب رئيس، بحيث تستعيد الجمهورية الانتظام في عمل المؤسسات. ولا بأس في التمديد أشهراً للمجلس شرط أن ينجز قانون انتخاب يضمن التمثيل الصحيح والسليم للبنانيين.
والوقت حان، لا فقط بسبب خطر داعش بل أيضاً لأسباب تتعلق بالحد الأدنى من الوطنية والالتفات الى هموم الناس الاقتصادية والاجتماعية، لكي نتوقف عن الرهانات الخاطئة والارتهانات الخطيرة للمحاور الخارجية. فالألعاب الاستراتيجية أكبر منا. وانتظار المتغيرات في المنطقة مرشح لأن يطول كثيراً، وسط التبدل في لبنان نحو الأسوأ. ولا مجال لأن تكون الرئاسة حصة فريق واحد، لا داخلياً ولا خارجياً.
والمسرح ينهار من تحتنا، ونحن نصر على استمرار الأدوار في مسرحية التعطيل.