IMLebanon

72 ساعة قبل الدخوّل في نفق مُظّلم ماليًا وموازنة 2020 في خطر

 

الحريري يفضح المستور وينذر بأن القوى الدولية ستوقف مساعداتها لـ«سيدرــ1» اذا لم تتفق الحكومة

 

«أُعطي نفسي وقتًا قصيرًا جدًا وهي مهلة 72 ساعة فإما شركاؤنا في الوطن والتسوية يعطوننا جوابًا مقنعاً أو سيكون لي كلام آخر»، هذا ما قاله الرئيس الحريري في مؤتمره الصحافي البارحة. مُحمّلا القوى السياسة المُشاركة في التسوية مسؤولية ما آلت إليه الأمور عبر قوله «اللبنانيون كانوا ينتظرون جدية في العمل لكننا لم نقدم لهم إلا العراضات السياسية والسجالات وكثر ينتظرون يبلّوا إيدن بسعد الحريري». هذا القوّل يُمكن تفسيره من عدّة نواحي نذكر منها إثنين:

 

أوّلا: الناحية البديهية والتي تنصّ على أن القوى السياسية كان تهتم بمصالحها الخاصّة وهذا الأمر منع أي نوع من أنواع الإصلاحات التي تضاربت مع مصالح هذه القوى السياسية. وقد يكون هذا الأمر صحيحًا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن الإصلاحات التي تمّ البحث فيها في مجلس الوزراء لم تطلّ بأي شكل من الأشكال الضريبة التصاعدية، أو الأملاك البحرية، أو إقفال الوزارات والمؤسسات المحسوبة على هذه القوى، أو محاربة التهريب الجمّركي المحمي بالمحاصصات، أو محاربة الفساد في الإدارة العامّة حيث يتواجد مناصرو هذه القوى… هذا السيناريو يتشعّب إلى إحتمالين: الأول أن توافق القوى السياسية على الإصلاحات التي يقترحها الحريري والثاني أن لا توافق على هذه الإصلاحات. في الحالتين لا شيء يضّمن تنفيذ هذه الإصلاحات نظرًا إلى أن اللبنانيين أعطوا هذه القوى الوقت الكافي (كما قال الحريري) للعمل لكنها بدل ذلك قامت بالعراضات السياسية والسجالات.

 

ثانيًا : الناحية التكتية: فمدّة الـ 72 ساعة التي أعطاها الحريري تتطابق مع مدّة الثلاثة أيّام التي طالب بها الوزير جبران باسيل لإقرار الإصلاحات. وهذا الأمر يعني أن هناك تكتيكا تمّ وضعه بين الرجلين لفرض إصلاحات مُعيّنة تمّ الإتفاق عليها بين الرجلين خصوصًا أن الرجلين تحدّثا في خطاباتهما عن المخاطر التي تنتج عن غياب الحكومة «الحالية». لكن هذا الأمر يؤكّد أيضًا أن بعض القوى السياسية تُعطّل الإصلاحات لغاية ما في نفس يعقوب.

 

على كل الأحوال من حقّ اللبنانيين معرفة من هي القوى السياسية التي تُعطّل الإصلاحات. الرئيس الحريري إستخدم عبارة «شركاؤنا في الوطن والتسوية» وبالتالي شمل جميع مكوّنات الحكومة أي التيار الوطني الحرّ، القوات اللبنانية، الحزب الإشتراكي، حزب الله، حركة أملّ، تيار المردّة، بالإضافة إلى تيّار المُستقبلّ.

 

الوقت الدستوري الباقي أمام الحكومة لإقرار موازنة العام 2020 هو 4 أيام (بما فيها السبت والأحد). وبالتالي، وعملا بتصريح الرئيس الحريري والوزير باسيل، يُمكن أن يتمّ وضع الإصلاحات المنوي القيام بها قبل نهار الثلاثاء المقبل.

 

لكن السؤال المطروح، ماذا تتضمّن هذه الإصلاحات؟ الجواب يتعلق بالدرجة الأولى بإمتيازات بعض الخصوم السياسيين والتي تُشكّل عائقًا أساسيًا.

 

على كل الأحوال لا كلمة الرئيس الحريري ولا كلمة الوزير باسيل إمتصّت غضب المتظاهرين، إذ إزداد العنف في ساحة رياض الصلح بعد إلقاء الحريري كلمته وشدّد المتظاهرون على رحيل السلطة. وقال بعض المتظاهرين أن الحكومة فقدت مصداقيتها مع النكوث بوعودها.

 

} ماذا بعد الـ 72 ساعة؟ }

 

فترة الـ 72 ساعة التي أعطاها الرئيس الحريري وإلا «سيكون له كلام أخر»، تعني أنه إذا لم يحظ بموافقة الأفرقاء على الإصلاحات، سيُقدّم إستقالة حكومته نهار الإثنين. إلا أن هذه الإستقالة قد تُدّخل لبنان في نفق مُظلم ماليًا وأمنيًا كما صرّح الوزير باسيل عبر قوله «…كارثة مالية وأمنية».

 

عمليًا في حال الإستقالة، هناك عدّة سيناريوهات تطال الوضع المالي والإقتصادي وعلى رأسها تطيير الموازنة وبالتالي الصرف على أساس القاعدة الإثنيّ عشرية، أي موازنة 2019 والتي يُمكن وصفها بالموازنة الورقية نظرًا إلى أنها لا تعكس الأرقام على الأرض. والمعروف أيضًا أن حكومات تصريف الأعمال سجّلت عجزًا في موازناتها أكثر من الحكومات بالإصالة، لذا سيتمّ خلق عجز أكبر في موازنة 2020. هذا الأمر سيؤدّي حكمًا إلى ضرب سندات الخزينة اللبنانية اليوروبوندز ومعها إرتفاع سعر عقود التأمين على هذه السندات التي تُسجّل أصلا إرتفاعات تاريخية تفوق الـ 1000 نقطة أساس!

 

على صعيد مهلة السماح التي أعطتها وكالات التصنيف الإئتماني للحكومة اللبنانية والتي تنتهي في نهاية هذا العام، فإن إستقالة الحكومة قدّ تُقصّر من هذه المدّة ويتم تخفيض تصنيف لبنان الإئتماني قبل نهاية هذا العام. وهذا إن حصل يعني أن خدمة الدين العام سترتفع وسيرتفع معها عجز موازنة العام 2020!

 

إيجاد حكومة بديل عن الحكومة المُستقيلة يطرح عدّة تحديات وعلى رأسها رغبة القوى السياسية إثبات وجّهة نظرها، لذا ستعمد إلى منع وصول أي حكومة تكنوقراط مهمّتها إخراج لبنان من أزمته الإقتصادية والمالية. وبالتالي من المُحتمل أن يتمّ تشكيل حكومة مؤقّتة هدفها القيام بإنتخابات مُبكّرة، إلا أن هذا الأمر سيواجه معضلة القانون الإنتخابي الذي تتواجه فيه القوى المسيحية مع حركة أمل (طارحة هذا القانون). وهذا الواقع يُشكّل بحدّ ذاته مصدر قلق على مستقبل لبنان المالي بالدرجة الأولى نظرًا أن لا آفق للخلاف السياسي في لبنان.

 

ويبقى السيناريو الأكثر إحتمالا في حال إستقالت الحكومة، أن يتمّ وضع لبنان تحت وصاية صندوق النقد الدولي وهو ما سيكون مؤلمًا على الشعب اللبناني حيث سيسلك لبنان الطريق الذي سلكته اليونان!

 

إضافة إلى كلّ هذا، فإن غياب حكومة أصيلة سيؤدّي حكمًا إلى وقف مشاريع وهذا الأمر سيؤدّي حكمًا إلى إنكماش كبير في الإقتصاد اللبناني الذي كان يُعوّل بشكل أساسي على أموال مؤتمر سيدر للخروج من الأزمة وتحويله من إقتصاد شبه – ريعي إلى إقتصاد مُنتج.

 

} الخسائر المالية والإقتصادية }

 

الإحتجاجات التي إمتدّت على فترة يومين كلّفت الإقتصاد اللبناني حتى الساعة 450 مليون دولار أميركي بالإضافة إلى الخسائر المادية الناتجة عن تدمير الممتلكات العامّة. وإذا ما إستمرت الإحتجاجات على مدى الأيام المقبلة، فمن المتوقّع أن يقع الإقتصاد اللبناني في حالة إنكماش (نتوقّع -1%).

 

أضف إلى ذلك هناك خسائر ناتجة عن تردّي المالية العامّة والناتجة عن إرتفاع كلفة الدين العام من خلال الفوائد. هذه الأخيرة ترتفع بشكل تلقائي مع إرتفاع المخاطر أي بمعنى أخر يتمّ زيادة نقاط أساس على هذه الفائدة تعكس مستوى هذه المخاطر. أضف إلى ذلك أن عدم تنفيذ خطّة الكهرباء سيؤدّي إلى إرتفاع تلقائي لكلفة الفيول والفوائد على هذه الكلفة.

 

الإحتجاجات التي قام بها المُحتجّون سببها بالدرجة الأولى تفشّي الفساد ولكن أيضًا تردّي الخدمات العامّة وزيادة الضرائب… الساعات، الأيام والأسابيع المُقبلة ستوضح ضبابية آفق هذه الأزمة. ويبقى أن القول أن نهاية هذه الأسبوع قدّ تُشكّل هامشا لتهدئة الأوضاع، إلا إذ قرّر الشعب اللبناني عكس ذلك.