4 مليارات دولار سنوياً فاتورة المولدات الخاصة
هل يطوي سلام «المقايضة».. حماية لحكومته؟
كتب المحرر السياسي:
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الأول بعد المئة على التوالي.
ها هي الغمامة السوداء تنقشع عن مصير الرقيب في الجيش اللبناني علي السيد الذي عاد أمس شهيداً مكللاً، على أن تحسم نتائج الحمض النووي، اليوم، هويته، قبل أن يستريح إلى الأبد في تراب بلدته فنيدق، على مقربة من والديه وزوجته رغد وطفلته رهف ابنة الثمانية عشر شهراً.
وها هي الغمامة السوداء تظلل مصير رفاقه العسكريين وذويهم ممن صاروا أسرى مجموعات تكفيرية لا يمكن أن تتورع عن أي ارتكاب.
وها هي غيمة العتمة السوداء تبشّر اللبنانيين بعتمة أكبر، تستمد ديمومتها من فساد الطبقة السياسية، وسوء إدارة قطاع الكهرباء، فيما يصرف اللبنانيون أكثر من 4 مليارات دولار أميركي سنوياً، بينها ملياران فقط في العاصمة، على كهرباء المولدات الخاصة، ناهيك عن فاتورة الملياري دولار وما يزيد عن 100 مليون دولار سنوياً، بفعل العجز في قطاع الكهرباء الرسمي.
هذه الأرقام كان يكفي رميها في أي بلد حتى يسقط نظام سياسي بأكمله، وليس حكومة أو وزارة، لكن الأرقام في لبنان باتت غب الطوائف وغيلانها الذين يستبيحون المال العام منذ ربع قرن، ويدمّرون الدولة تدميراً منهجياً.. لكأن الانهيار آت لا محالة.
وها هو أيلول يخترق الجفاف اللبناني، فيبل طرفه بأول «شتوة» لعله يحمل تباشير غيث يخفف من وطأة العطش.
اللبنانيون متساوون في تحمل وطأة العتمة والعطش، وأيضا في تقاسم رغيف الخوف من إرهاب فالت من عقاله، لا يميز بين منطقة أو طائفة أو فئة وأخرى، ومن إدارة سياسية تتصرف بعشوائية ومن دون أفق استراتيجي، في انعكاس مباشر لغياب توافقات الحد الأدنى سياسياً، وخير دليل على ذلك ملف عرسال وجرودها.
ثم كيف يمكن للداعين ليلا ونهارا الى «العبور الى الدولة» أن يطلقوا مقايضة لفك أسر العسكريين في الجيش وقوى الأمن مقابل إطلاق سراح موقوفين في سجن روميه؟
هذه المقايضة كان يمكن أن تفضي منذ اليوم الأول الى إطلاق سراح مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا.. وهذا هو الأرشيف الأمني الرسمي اللبناني شاهد على مطالب الخاطفين في الحالتين، لكن الجواب، في المطرحين، كان واحداً برفض سلوك منطق اللادولة، حتى أن «حزب الله» والرئيس نبيه بري فضّلا في قضية أعزاز أن يستشهد الزوار على أية مقاربة من هذا النوع.. كما أن العماد ميشال عون ومرجعيات مسيحية أثنت على رفض قيادة الأمن العام اللبناني المقايضة في قضية الراهبات إلى درجة القول «فليكنّ شهيدات كما كان السيد المسيح الشهيد الأول فداء الإنسانية جمعاء».
من هنا، لا يختلف لبنانيان على ضرورة تسريع المحاكمات في سجن روميه وكل سجون لبنان، من أجل وضع حد لهذه القنبلة التي يمكن أن تنفجر في كل لحظة، لا بل ثمة أسئلة بديهية موجهة إلى وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى: ألم يكن جوهر رفع رواتب القضاة وتعويضاتهم (الكرة التي أدت الى تدحرج سلسلة الرتب والرواتب)، وضخ دم جديد في الجسم القضائي هدفه إصلاح القضاء وتسريع المحاكمات، فماذا كانت النهاية وأين الإصلاح وأين المحاكمات وهل زادت الملفات المتراكمة أصلا أم تناقصت؟
وللقضاء كلام آخر وموعد آخر، لكن المقايضة بين العسكريين والموقوفين، قد تكون رصاصة الرحمة على حكومة تمام سلام، في زمن إقليمي ولبناني انتقالي يصعب في سياقه توفير البدائل. من هنا، كانت دعوة الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط و«حزب الله» والعماد ميشال عون إلى التريث قبل الإقدام على خطوة تحتاج إلى قرار سياسي قبل الحديث عن مندرجاتها وتعرجاتها القانونية.
هذه الدعوة للتريث موجهة بالدرجة الأولى إلى رئيس الحكومة تمام سلام، حماية له ولدوره الوطني الجامع ولحكومته التي تبدو كمن يسير في حقل ألغام، فكل ملف العسكريين، حسب هذا الفريق السياسي أو ذاك، لا يملك كل تفاصيله أحد سوى رئيس الحكومة الذي تسلّم شروط الخاطفين وقرر التكتم عليها، وبينها لوائح بأسماء موقوفين ذكرت بعض وسائل الإعلام، ليل أمس، أن بينهم اسمي عماد جمعة وجمانة حميد.
وبحسب أوساط وزارية بارزة، فإن رئيس الحكومة «سيطرح ملف العسكريين وشروط الخاطفين في مستهل جلسة مجلس الوزراء المخصصة اليوم لمناقشة قضايا المالية العامة، على قاعدة أنه ليس بمقدور جهة سياسية واحدة أن تتحمل وحدها مسؤولية تحمل تبعات أي نوع من أنواع المقايضة، وبالتالي يجب توافر الغطاء الوطني الإجماعي سلباً أو إيجاباً، بحيث يكون الجميع شريكاً في القرار وتحمّل التبعات والمسؤوليات».
واللافت للانتباه أن العشرات من سجناء روميه تواصلوا في الساعات الثماني والأربعين مع مرجعياتهم، وبينها وزراء ونواب ورجال دين، وكانوا يحصلون على تطمينات بقرب حريتهم، في خطوة وصفها وزير سيادي «بأنها حفلة جنون»!
وقالت مصادر واسعة الاطلاع إن رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد رسم سقفاً لا عودة عنه خلال الاجتماع الأمني ـ القضائي في السرايا ليل أمس الأول، بتأكيده أن القضاء مقيد بقوانين وأصول لا يمكن معها الدخول في أية مقايضة، طارحاً الإشكاليات والآليات التي تعترض ملف المحكومين وأولئك الذين ما زالوا قيد المحاكمة وكذلك ممن لم تبدأ محاكمتهم.. فضلاً عن الاعتبارات السياسية من إجماع مجلس الوزراء الى التشريع في مجلس النواب (العفو) الى توقيع رئيس الجمهورية!