Site icon IMLebanon

قبل 79 يوماً من عيد الإستقلال الـ75

قبل 79 يوماً من عيد الإستقلال الـ75

كيف تجسّدت وحدة اللبنانيِّين للوصول إلى 22 تشرين الثاني

 

 

بعد ستة أشهر من إعلان الجنرال كاترو استقلال لبنان عام 1941، والذي لم يتحقق منه أي شيء، عُقد في بكركي وتحديداً يوم عيد الميلاد، أي في 25 كانون الأول، مؤتمر وطني عام تميز بطابع شامل، حيث ضم هذا المؤتمر ممثلين لجميع الطوائف والقوى الوطنية المعارضة للانتداب الفرنسي.

استُهل المؤتمر بخطاب للبطريرك الماروني أنطوان عريضة جاء فيه: «إن الشعب الحر له حرية سن قوانينه الدستورية التي تقدس الحريات الشخصية والحريات العامة والتي تؤمن تمثيل الطوائف والمناطق تمثيلاً عادلاً، وتبقى الأحكام بيد أبناء البلاد يحملون مسؤوليتها ويقومون بأعبائها، والشعب الحر له حق تقرير مصيره بملء الاختيار وله حرية التعاقد مع الدول الأجنبية».

وأضاف أن «هذا الصرح ليس وقفاً على الطائفة المارونية فحسب، بل هو بيت جميع اللبنانيين، ووفق المصلحة اللبنانية لا فرق فيها بين طائفة وأخرى».

وعدد البطريرك عريضة ما يريده اللبنانيون على النحو الآتي:

نريد استقلالاً ناجزاً يطابق رغبات الشعب اللبناني.

نريد استقلالاً مبنياً على العدل بتوزيع المناصب والمنافع.

نريد استقلالاً مبنياً على الحرية: في المعتقد، في القول وفي العمل.

نريد استقلالاً مبنياً على المساواة بالحقوق تأخذ كل طائفة فيه حقوقها بنسبة أهميتها.

نريد استقلالاً مبنياً على التآلف والتضامن والغيرة في سبيل المصلحة الوطنية.

نريد ائتلافاً مع المجاورين لنا في الشرق ومع كل الدول الذين لنا علاقة معهم.

وصدرت عن هذا المؤتمر سلسلة مقررات كان أبرزها:

استقلال لبنان استقلالاً فعلياً يمكّنه من تقرير مصيره بملء الاختيار.

حرية لبنان بالتعاقد مع الدول الأجنبية كدولة مستقلة.

سن قوانين دستورية تكفل الحريات الخاصة والعامة وتفرق بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وهذه تؤمَّن بواسطة مجلس سياسي منتخب انتخاباً حراً تتمثل فيه الطوائف والمناطق تمثيلاً عادلاً.

اعتبار كل عمل تأتيه الحكومة الحاضرة من شأنه أن يقيد البلاد إن كان من الوجهة السياسية أو الوجهة الاقتصادية لاغياً غير معمول به، إذ لا يمكن تقييد البلاد إلا بواسطة حكومة تمثل لبنان تمثيلاً حقيقياً حائزة على ثقة مجلس نيابي منبثق عن انتخاب حر.

وبشكل عام يمكن القول إن هذا المؤتمر قبل 66 عاماً كان تجميعاً للطاقات من أجل الوصول إلى هدف وحيد، هو الوصول إلى الاستقلال السياسي على أساس وحدة الطوائف اللبنانية.

الفرنسيون آنئذ كانوا يرفضون ويعارضون أي اتفاق بين اللبنانيين، ولهذا فهم أدركوا من جراء مؤتمر بكركي مدى الخسارة التي تلحق بنفوذهم في لبنان نتيجة هذا المؤتمر ونتيجة موقف البطريرك عرضة،  فوسط كاترو الرئيس السوري الشيخ تاج الدين الحسين رجل فرنسا الأول في سوريا مع المعارضة اللبنانية والبطريريك الماروني، لكن الوساطة فشلت واتسعت شقة الخلاف مع الفرنسيين، وسقط لاحقاً الشيخ تاج الدين في سوريا بشكل مدو.

آنئذ منذ 76 عاماً أُسس تياران في لبنان، الأول يشدد على الاستقلال والسيادة وزوال الانتداب وتعزيز روابط لبنان مع الوطن العربي، طبعاً لم يكن الصهاينة قد اغتصبوا فلسطين بعد، والثاني يشدد على التمسك بالانتداب حتى أن المطران مبارك لم يأتمر بأوامر البطريرك عريضة، وكان التيار الثاني تياراً معادياً للعروبة.

آنئذ تكتلت المعارضة وكانت تتمثل بقيادتها السياسية ببشارة الخوري ورياض الصلح، حيث شكل لقاؤهما نقطة تحول أثرت بمجرى الحياة السياسية اللبنانية، وأوصلت لبنان إلى الاستقلال السياسي تحت شعار الميثاق الوطني «غير المكتوب»، وبالتالي غدا مطلب الاستقلال ورفض الانتداب مطلباً وطنياً جماهيرياً على جميع أراضي لبنان.

أما التيار الآخر، فقد توحد في نقطة واحدة وهي التشدد في رفضه الانفتاح على محيطه العربي، لكن الانقسام سيطر على هذا الفريق، واحد مؤيد للاستقلال كحزب الكتائب وآخر مناهض له كإميل اده وكتلته الوطنية.

استمر هذا الوضع طيلة العام 1942، فظلت المعارضة على ضغطها برفض أي شكل من أشكال المساومة مع الانتداب وبضرورة العودة إلى الحياة الدستورية.. وتصاعدت النقمة على الانتداب وفريقه، يذكر أن الأهالي منذ العام 1939 كانوا دائماً يهددون بالعصيان بسبب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والتموينية.. حتى أنه كان هناك أزمة وقود وغلاء المازوت..

وهكذا كان لا بد من عودة الحياة الدستورية، فعَين الجنرال كاترو، أيوب ثابت في 18 آذار 1943 رئيساً للدولة والحكومة وجعل مهمته محصورة في الانتخابات النيابية وإجرائها في وقت مبكر.

وترافق ذلك مع تعديل في قانون الانتخاب، حيث تم إلغاء فئة النواب المعينين الذين كانوا يشكلون ثلث النواب في كل المجالس النيابية منذ العام 1926.

هنا لجأ كاترو إلى خطة تهدف إلى فرط عقد المعارضة باللعب على وتر الطائفية واستعادة الموارنة إلى ما كانت تسمى «الأم الحنون»، خصوصاً أن أيوب تابت كان ألعوبة بيد الفرنسيين، ومعروفاً بعدائه للعروبة.

وأصدر أيوب تابت بتوجيه من الفرنسيين المرسوم الاشتراعي رقم «50» في 7 حزيران 1943، حدد بموجبه عدد أعضاء المجلس النيابي بـ54 نائباً موزعين بنسبة 32 نائباً للطوائف المسيحية مقابل 22 نائباً للطوائف الإسلامية.

كانت هذه الخطة تهدف إلى:

إحراج البطريرك عريضة بالمزايدة السياسية بزيادة حجم التمثيل المسيحي وجعله بنسبة 8 إلى 5، وإفشال دعوته للمساواة بين الطوائف حسب مؤتمر بكركي.

– تصليب التيار الرافض للعروبة، ومحاولة تصوير أن فرنسا وحدها القادرة على إنقاذ المسيحيين والموارنة تحديداً من الذوبان في المحيط العربي.

استثارة رد فعل طائفي إسلامي وإغراق المطالب الوطنية للمعارضة بصبغة طائفية تعيد تقسيم اللبنانيين.

لم تنطل المحاولة المفضوحة للمندوبية الفرنسية، فارتفع صوت المعارضة، وكان التحرك الذي استمر حتى إسقاط حكومة أيوب ثابت، المتزمت والطائفي، فأسندت رئاسة الدولة والحكومة إلى بترو طراد في 21 تموز 1943، وصدر القرار رقم «32» بتأليف عدد أعضاء المجلس النيابي، من 55 نائباً بواقع 30 نائباً للطوائف المسيحية و25 للطوائف الإسلامية، بواقع 6 إلى 5 وهي القاعدة التي ظلت حتى اتفاق الطائف، ومن بعدها كانت معركة الاستقلال الذي أصبح ناجزاً منذ 22 تشرين الثاني 1943.