ممتعة مواسم الانتخابات في لبنان، وعلى كل مستوياتها وخصوصاً الرئاسية منها.
ممتعة وغريبة. والغرابة وليدة ظواهر غير مألوفة، مُفاجئة ومحرّكة لملكة الدهشة، كما لملاحظة التكثيف في المفارقات.
لكن البائس، ان لبنان لا يتحمل كل ذلك الترف. أوضاعه وأوجاعه وآلامه ومعضلاته ومشاكله وهمومه وقلقه، كلها قادرة على صدّ ولجم الإسراف في المراقبة والاستمتاع بمباهج التفرج على الأداء السياسي.. من بعيد.
بلد مأزوم، وانفراجاته عابرة، ومنها بالتحديد مواسم الانتخابات وظواهرها. ومع ذلك يتسع البيان لأخذ اللحظة كما هي والتمعّن السريع في بديهيات كانت مستورة لدى البعض تحت وطأة النزاع السياسي وتوظيفاته، وعلى رأسها تلك الخاصة بالهوس المتحكّم في تلابيب واحد من المرشحين الاستثنائيين للمنصب الأول في الجمهورية، أي الجنرال ميشال عون وخطواته «المدروسة» للوصول الى مبتغاه.
بديهيات تولّدت وتبلورت من أدائه الممتد منذ العام 1988 حتى اليوم وعنوانها تطويع الموقف والخطاب والأداء بما يتلاءم ويتناسق مع الحالة السياسية وحساباتها.. واحتمالاتها المفتوحة على طريق بعبدا!
والجديد الطازج هو انها كانت بديهيات بالنسبة الى خصوم الجنرال، لكنها تبدو اليوم كذلك بالنسبة الى حلفائه المفترضين أيضاً.. أو هكذا تشي وتفصح وتدل وتقول الآلة الاعلامية السياسية لفريق 8 آذار ومنذ إطلاق عون «حملته» الانتخابية من باريس الى الرابية.. بانتظار استكمالها بمحطات وعواصم لا تزال (وستبقى!) في خانة الاشتهاء والاستعصاء.
بعض المواقف «الانفتاحية» والتصالحية للجنرال وآخرها الاصطفاف في خانة المطالبين بإعادة درس مشروع سلسلة الرتب والرواتب، أضاءت عند حلفائه مجسّات التوجّس والقلق. وذهب جلّهم، بعضهم من باب التبرير وبعضهم من باب التحذير وبعضهم من باب «التنقير» الى وضع كل تلك الخطوات في سياقها الرئاسي.. أي في «البديهة» إياها! لكن ذلك وللمفارقة، فتح عندها أبواب التمحيص في الاداء «الاصلاحي» الذي يرفع شعاره ويشتغل مع فريقه على أساسه نيابياً ووزارياً.. وهي الأبواب التي كانت مقفلة بمفاتيح المقاومة والممانعة، وكان الظن انها رُميت في البحر أو أصابها الصدأ!
والتمحيص المذكور، لا يتوقف عند «الاصلاح» وإنما يمتد الى «التغيير». ولا يتم بهدوء وإنما بصخب ووضوح واستطرادات كثيرة وصولاً الى طرح أسئلة كبيرة عن الخيارات الكبيرة والسياسات الكبيرة والاصطفافات الكبيرة.. وعن المدى «التغييري» الذي يمكن أن يصل إليه الجنرال في سبيل الوصول الى الكرسي الرئاسي؟!
الممتع فعلاً في هذه الصورة، هو ان الشوط الرئاسي لا يزال في بداياته وغموضه والتباساته ومع ذلك بدأ الحساب من الاساسيات وليس من المتفرعات.. بحيث تبدو قوى 8 آذار مُتهيّبة وقلقة، إن لم يكن مرعوبة، من احتمال وصول الجنرال الى موقع الرئاسة، وليس من عدم إنتخابه!
..فرادة مواسم الانتخابات تكمن في أن ترفها أكبر من قدرة اللبنانيين على التحمّل خصوصاً إذا كانت من ذلك العيار الثقيل، أي من نوع أن «تكتشف» 8 آذار، او بالأحرى «حزب الله» وملحقاته، «البديهة» العونية! وان نتفرج نحن على ذلك المشهد الآسر والممتع والخلاب.. ومن بعيد!