الثنائي برّي ـ جنبلاط يحضّر «طبخته»؟
«8 آذار» لا تملك خطة «ب» رئاسية
لا يمكن لأحد في فريق “8 آذار” أن يتخيّل أن دخول الرئيس أمين الجميل المباشر على خط الانتخابات الرئاسية سيشكّل اختراقات نوعية في المشهد الرئاسي الجامد.
الرجل “مكشوف” لدى الثنائي الشيعي، إن بسعيه لإزاحة سمير جعجع عن كرسيّ الترشيح والجلوس مكانه تحت شعار “أنا منقذ الجمهورية”، أو بتخطيطه لحجز موقعه وحصته في أي تسوية مقبلة.
ابتسامة ميشال عون العريضة وهو يقف الى جانب الجميل في الرابية متحدثا عن ان اللقاء بين الخصمين أعطى نتائج ايجابية، أو رؤية “الشيخ” في بنشعي مروّجا لحلّ يحمي الجمهورية والموقع، وقبلا في معراب مؤكّدا ان سمير جعجع لا يزال “مرشّحنا”، يدفع الواقعيين في فريق “8 آذار” الى وصف ما يجري بـ”حفلات التكاذب”، ليس من باب انتقاد التقاء القادة المسيحيين، لكن من باب التوصيف الدقيق لـ”الحالة”.
قد يكون ذلك، برأي هذا الفريق، محطة أخرى من محطات العروض المسيحية التي أربكت الاستحقاق وأهله. في الكواليس ثمّة من يشير بالاصبع الى عجز المسيحيين عن التوحّد أو التوافق أمام فرصة نادرة أتيحت لهم، بغية فرض كلمتهم الرئاسية على الجميع.
فالايرانيون يكادون لا يبالون بالاستحقاق ولا يقاربونه أصلا بطريقة التدخّل أو الفرض، والسوريون غارقون في وحول أزمتهم. في المقلب الآخر، التدخل محدود وغير حاسم ويتراقص على “كليشيهات” ضرورة إجراء الاستحقاق في موعده وتفادي الفراغ. كما أن عودة السفير السعودي الى لبنان علي عواض العسيري، وفق أوساط “8 آذار”، لم تأت ضمن رؤية متكاملة أو بأجندة منظّمة.
على مسافة خمسة عشر يوما من انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، تبدو المعطيات صادمة. “حزب الله” و”حركة أمل” يتفرّجان نوعا ما. الـ”كارت بلانش” الذي منحاه لحليفيهما قائم حتى إشعار آخر. لكن ماذا بعد 25 أيار، في حال العجز عن انتخاب الرئيس؟ لا أحد يقرّ حتى اللحظة بوجود “الخطة ب”.
عمليا يواكب حليفا الرابية العماد عون وهو يستنفد الوقت الرئاسي حتى دقائقه الأخيرة. لا لوم مباشرا على “الجنرال”. في مسلّمات الرئيس نبيه بري و”حزب الله” أن الرئيس سعد الحريري هو الذي يعطّل عمليا الاستحقاق وذلك بالاستمرار بتبني ترشيح سمير جعجع من جهة، وبجعل عون “لا معلّقا ولا مطلّقا”، من خلال حجب الكلمة الحاسمة عنه، من دون إقفال أبواب التفاوض.
باستثناء الرئيس الحريري ومساعده نادر الحريري، لا أحد يتحدث في “تيار المستقبل” بإيجابية عن الغلّة التي يمكن أن يخرج بها تقارب المصلحة مع “جماعة التغيير والإصلاح”.
في المقلب البرتقالي تتضارب الروايات الى حدّ الضياع الكامل. فريقٌ متروّ وبراغماتي يتسلّح بـ”إصبع توما”، وآخر يقولها كما هي: “سعد اختار عروساً لا يحبها (جعجع)، لكنه سيتخلى عنها على المذبح في اللحظة الأخيرة ليهرب مع شريكة المستقبل (عون)”.
سيكرّر الرئيس بري الدعوة الى جلسات الانتخاب، مع توافق أو من دونه.
حراك الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط، الذي يوحي دائما أن ثمّة ما يُطبخ من دون ضجّة وراء الكواليس، لا يلغي واقعا سيبقى قائما، أقلّه حتى 25 أيار. “حزب الله” و”حركة أمل” والنائب سليمان فرنجية يرهنون أنفسهم، كما تقول أوساط “8 آذار”، لجدول أعمال ميشال عون، تاركين له “ترف” إدارة الوقت الرئاسي.
لكن هذا الفريق يراهن في المقابل على استفاقة، ولو متأخرة، لمن ربط انتخابات، بكلمة ينطق بها سعد الحريري!
في مطلق الأحوال، في عزّ الجليد الرئاسي لا يمكن الاستغناء عن ورقة “الوسطيين”. ثنائي بري – جنبلاط يبدو عنوان المرحلة. 24 نائبا من “كتلة التحرير والتنمية” و”اللقاء الديموقراطي” يستطيعون التغيير في المعادلة، لا بل حسمها، لكن ليس بالطبع لإيصال مرشح مثل الرئيس الجميل أو سمير جعجع، أو حتى ميشال عون ما دام سعد الحريري لم يقل كلمته بعد. بالتأكيد، الأمور لم تتقدّم بطريقة توحي أن هذه الورقة قابلة للاستخدام في المدى المنظور.
فلا ميشال عون تخلّى عن ورقة ترشيحه لمصلحة مرشّح ينال بركته، ولم يجر اتصال “الاستسلام” بحليفيه معترفا لهما بفشل مفاوضاته مع “الشيخ سعد”، ولا “تيار المستقبل” أوحى بصدّ الأبواب. وما دام رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” ينفرد بإدارة الدفّة الرئاسية في المقلب المواجه لقوى “14 آذار”، فإن حلفاءه ليسوا في وارد القوطبة عليه لفرض الخيار الثالث.
وفيما بدأت بعض التسريبات تتحدّث عن إمكانية تعطيل مفعول “سحر” التوافق الذي يسيطر على الحكومة الحالية، والذي أنتج خطة أمنية وتعيينات دسمة منتظرة منذ عشر سنوات، في حال تجاوز المهلة الدستورية من دون انتخاب رئيس، فإن “8 آذار” تصوّب البوصلة صوب المسؤولين عن استنفاد هذه المهلة من دون الدفع باتجاه إتمام الاستحقاق في موعده.
مع ذلك، ثمّة من يؤكد أنه لن تكون نية تعطيلية مباشرة داخل الحكومة بعد استلامها صلاحيات الرئاسة الاولى، لكن الفراغ على مستوى المقام المسيحي الأول سيفرض نفسه حملا ثقيلا على أكتاف الجميع.