ترصد دوائر القرار في قوى 8 آذار عن كثب ما يجري داخل ساحة فريق 14 آذار في شأن موضوع الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً “لقاءات باريس” والكلام “الحمّال الأوجه” الذي ادلى به رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع بعيد ساعات على لقائه الماراتوني والرئيس سعد الحريري. وعليه تخلص هذه الدوائر الى جملة استنتاجات وخلاصات تتصل بالموقف الجوهري الحقيقي للفريق الآخر حيال هذا الاستحقاق المهم وما يتصل به ويتفرع عنه من عناوين عريضة وتفصيلية.
أبرز هذه الاستنتاجات والخلاصات:
حسابات قيادة هذا الفريق تحول دون ذهابه نحو تسوية داخلية تفضي الى فتح الأبواب لرئيس جديد للبلاد يمنع الفراغ ويملأ الشغور الاكثر رجحاناً.
– ان الرعاة الاقليميين لهذا الفريق ما زالوا ايضاً يقلّبون حساباتهم على نحو يمنعهم من حسم الخيارات والمضي قدماً نحو التسوية المنشودة والمرتجاة في آن واحد، وان شاغلهم الاساسي المضمر هو الحيلولة حاضراً ومستقبلاً دون وصول رئيس قوي الى قصر بعبدا يمهد لفتح باب الاحتمالات نحو اعادة النظر بـ”إنجاز” اتفاق الطائف او المس بجوهره. وبناء على هذين المعطيين ترسم الدوائر عينها جملة توقعات للمرحلة المقبلة تقوم على الآتي:
– ان احتمال مرور موعد المهلة الدستورية من دون التوصل الى “طبخة” سياسية تفضي الى رئيس جديد قد بات هو الأكثر رجحاناً.
– ان ثمة “ضجة” وتباينات ستظهر في داخل فريق 14 آذار بعدما تبين للمرشحين الأربعة من داخل هذا الفريق ان حسابات كل منهم في وادٍ وحسابات زعيم هذا الفريق ومن وراءه في واد آخر، خصوصاً بعد لقاءات باريس التي اظهرت خلاصتها لكل من شارك فيها ووقف على تفاصيلها أن كلمة الفصل الجوهرية لدى هذا الفريق لم تؤخذ بعد وان العنوان المقرر لهذه المرحلة هو تقطيع الوقت.
– ومع ذلك فان هذه الدوائر ما برحت ترى أن قيادة فريق 14 آذار ستظل تسير على خطين معاً خلال الايام المقبلة. الأول المجاهرة بأن جعجع سيظل هو المرشح المعلن لهذا الفريق الى ان يحل موسم التسويات.
والثاني: ان خطوط التواصل مع رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون ستظل مفتوحة على المنوال المعروف عينه وبالمواصفات السابقة، والتي لا تقطع الشك باليقين وتقول الكلمة الفصل حتى يأتي اوان التفاهمات. ومثل هذا الوضع “الهلامي” لدى قيادة فريق 14 آذار سيتيح لجعجع الاستمرار في مناوراته المعروفة ولا سيما لجهة الاعلان انه هو المرشح الحصري لفريقه للرئاسة الاولى، وان اي كلام خلاف ذلك عند الآخرين هو مجرد تفسيرات وتمنيات وليست وقائع يبنى عليها، حاضراً ومستقبلاً.
وفي الوقت عينه، فان هذا الوضع سيسمح للعماد عون بالمضي قدماً في النهج الذي سار عليه منذ ان فتح ابواب تواصله مع “التيار الازرق” وعرض عليه السير معاً في “صفقة” كبرى عنوانها العريض تأييده للوصول الى قصر بعبدا في مقابل تسوية تريح البلاد عموماً وتخرجها من الاوضاع القلقة والمهتزة والهشة التي مرت بها منذ عام 2005 الى اليوم.
ولكن ذلك، على بلاغته، سيسمح لخصوم عون في داخل فريق 14 آذار بالمضي قدماً في الكلام القائل بأن زعيم التيار البرتقالي ما زال في حالة استعطاء واستجداء للمنصب العزيز عليه جداً.
وحيال هذا المشهد المتداخل والمعقد، فإن الدوائر عينها تتوقف عند معادلة صارت شبه ثابتة فحواها الآتي: ان طرفي المعادلة الداخلية قد بلغا نقطة المراوحة، إذ ان كل فريق قدم ما عنده من عروض استنفدت اغراضها ومقاصدها. ففريق 14 آذار سيظل حتى اشعار آخر قاصراً عن الدخول جدياً في البحث عن التسوية المنشودة التي تحول دون استمرار الفراغ، فيما الفريق الآخر (8 آذار) سيظل في موقع “ردة الفعل”، تاركاً ادارة اللعبة الانتخابية بكل تفاصيلها للعماد عون ولحساباته الدقيقة والضيقة الى أقصى الحدود في آن، خصوصاً إذا ما ظل على اعتبار نفسه المرشح الحصري لفريقه السياسي ولم يبلغ بعد مرحلة أخرى.
وفي كل الاحوال، فإن الدوائر عينها ما زالت عند قناعتها بأن خصمها هو من بدأ يدفع اثمان إدارته للعبة الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً انه كان يظن انه يستخدم اسلوب التذاكي والتشاطر وحشر الفريق الآخر لحظة قبوله بمرشح الامر الواقع منه، ولم يوصد الابواب أمام المرشحين الثلاثة الآخرين من داخله، وفي الوقت عينه أوحى لمن يعنيهم الامر وبالتحديد للعماد عون بأنه مستعد للدخول واياه في مرحلة جديدة تأخذ في الاعتبار طموحه المشروع في بلوغ سدة الرئاسة الاولى، خصوصاً انه الزعيم المسيحي الاقوى.
وفي الآونة الاخيرة دخل على الخط عامل آخر مستجد صار بمثابة هاجس حقيقي وهو الخوف من مرحلة مقبلة تفتح فيها مع رئيس جديد امكانات المس بـ”اتفاق الطائف”.
وفي المقابل، فإن الدوائر عينها على ثقة من أن حسابات فريق 8 آذار وطريقة مقاربته لهذا الاستحقاق وادارته له كانت الأكثر عقلانية وواقعية. فهذا الفريق لم يضخم حساباته ويكبر حجره منذ البداية، فأعلن ان “التوافق” هو باب منع الفراغ الذي يتم التهويل به، وبالتالي سمت مرشحها وتركت له وحده ادارة هذا الملف، وهي ما زالت عند هذا الخيار ولم تتزحزح عنه.