تسليم بالحلّ الخارجي للاستثمار الداخلي
«8 و14 آذار»: قراءتان متناقضتان في الحلقة المفرغة
يدور البلد في دائرة مفرغة. ينتظر حلاً يهبط عليه من خارج ما. وفي الوقت الضائع بين فراغ رئاسي وتمديد نيابي، يتحلل تدريجا آخر ما تبقى من ملامح الدولة. يتأقلم اللبنانيون مع الفراغ. في المؤسسات كما في الإدارات العامة. يستسلمون كأن ما يصيبهم قدر لا طاقة لهم على رده. وها هم يراقبون ما يتسرب من معلومات حول مفاوضات مفترضة مع خاطفي العسكريين، ويخافون القضاء على صورة آخر مؤسسة تقريباً يمكن الالتفاف حولها. فهم اكتشفوا ان العمل النقابي مسدود الأفق. والمجتمع المدني يصرخ بصوت أبكم. يرمي البندورة والبيض على من يظنون أن السماء تمطر ألواناً في الصيف. يحصل ذلك في محيط إقليمي يحتاج الى مجلدات في وصف حالته وتعقيداته.
يقر فريقا «8 و14 آذار» بالحل الخارجي. وفي قراءة كل منهما للتطورات، يضع سيناريوهات خارجية ويسقطها على حسابات ربحه الداخلية.
بحسب أوساط في «14 آذار»، فإن «إيران تلقت درساً قاسياً في العراق سينعكس من دون شك على أدائها في لبنان وسوريا». يرى هؤلاء أن «داعش استطاعت أن تدفع ايران الى خسارة سريعة لكل ما راكمته من أرباح في خلال سنوات من تدخلها في العراق. احتاجت إيران الى تدخل الولايات المتحدة الأميركية ودعمها لإبعاد داعش عن أبوابها. ولهذا فواتيره التي على إيران تسديدها، سواء في سوريا أو في الملف النووي أو في لبنان، وهو ما يعنينا. بالتالي فإن استعادة عمل المؤسسات والدولة، وتسهيل ملء الشغور في رئاسة الجمهورية، استحقاقات لا بد من أن تُنجز في مهل زمنية قريبة نسبيا».
الأحداث نفسها تقرأها أوساط في «8 آذار» لتخرج منها بخلاصات مناقضة. بحسب أوساطها فإن «مشكلة داعش هي أولا مع السنّة في العراق كما في دول الجوار. وايران ليست عاجزة عن مواجهة هذا التنظيم، سواء عبر تأثيرها في الداخل العراقي أو حتى عبر تدخل عسكري مباشر. لكنها تريد أن تضع الجميع، العرب والغرب، أمام مسؤولياتهم في مواجهة الإرهاب والتكفير. ايران اليوم في مرحلة استيعاب وإحاطة للتشنج داخل العراق. وهي أبدت كل تعاون وحسن نية في مواجهة الإرهاب والتخفيف من التشنج في العراق. لكن في حسابات الدول لا شيء بالمجان. فإيران التي سهّلت الأمور في العراق وأبدت كل تعاون ستكون أشد تمسكاً بصوابية خياراتها في سوريا ولبنان. فبعدما أثبت النظام في دمشق أنه الخط الدفاعي الاول في وجه داعش وأخواتها، ها هو مفتي السعودية يجيز قتالهم. بالتالي تلتقي سوريا والسعودية وإيران والغرب على عدو مشترك: الإرهاب». وتتابع أوساط «8 آذار» ان ذلك «ستكون له تداعيات لبنانية قد تتمثل حتى بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، بعد خطوات تمهيدية تسمح بتلاقي الأطراف على عناوين باتت أممية».
يعلق سياسي وسطي على قراءات قوى «8 و14 آذار» ورهاناتهم بالقول إنها «تمنيات لبنانية، ومحاولة إسقاط مصالح الدول وسياساتها على أحجام طموحاتنا». يضيف «الأكيد أن حراكاً كبيراً يدور حولنا فرضه دخول داعش وأنسبائها على الدول. إلا أنه ينبغي الانتباه الى أن شيئاً جذرياً لن يتغير في الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة في ظل نهج الرئيس باراك أوباما. سيكتفي بمعالجات موضعية عندما يتعلق الأمر بمصالح أميركية مباشرة. ما يتخطى ذلك، أوهام أو أحلام». يضيف «المنطقة كانت تندفع الى حرب لا تريدها ايران ولا السعودية، لان كلفتها عليهما عالية جدا ومستنزفة على كل الصعد. لذا فإن المرحلة المقبلة هي للتهدئة واللعب بأعصاب باردة وتحقيق مكاسب بالنقاط لا بالإنجازات. هذا ينسحب ايضا على لبنان. ويتأكد يوماً بعد يوم أن لا رغبة لأحد في إشعال الساحة الداخلية. لكن هل يعني ذلك إطفاء جمرها المقيم تحت الرماد؟ لا يمكن المراهنة على هذا الموضوع، خصوصا أن اللبنانيين لا يبدون جدية في ترتيب أوضاعهم الداخلية بمعزل عن الحسابات الخارجية».