Site icon IMLebanon

8 سنوات على استشهاد «فتى الاستقلال الثاني»

                                        

في الذكرى الثامنة لاغتيال وزير الصناعة الشاب في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الشهيد بيار الجميل ومرافقه سمير الشرتوني، تبقى العين على المحكمة الدولية التي تستكمل عملها بالإستماع الى شهود من سياسيين وصحافيين، وتأتي المفارقة كون السنيورة كان أعلن بعد اغتيال الجميل في 21 تشرين الثاني 2006 وتشييعه عن جلسة للتصديق على مشروع المحكمة الدولية يوم السبت الذي تلى الإغتيال، وكان حينها التحدي قائما بين أقلية رافضة للمحكمة وأكثرية مستهدَفة بالإغتيال تطالب بإحقاق الحق، لكن المحكمة عادت وأقرت في العام 2009 وأعمالها متواصلة.

الحكاية تبدأ من النهاية.. من الوقائع التاريخية التي يقصّها «الشهيد الحي» النائب مروان حمادة أمام العالم، من تهديد النظام السوري للرئيس الشهيد رفيق الحريري، بـ «تكسير لبنان على رأسه» وما كشفته تحقيقات المحكمة من ظهور رقم رأس النظام السوري على هواتف المتّهمين باغتيال الرئيس الشهيد. 

بيار الجميّل عريس الشهداء والإستقلال، هو صاحب شعار «بتحبّ لبنان حبّ صناعتو» وقد عمل من موقعه كوزير وعضو في حزب «الكتائب اللبنانية» على مشاركة اللبنانيين أحلامهم متخطّياً الازمة اللبنانية التي كانت قائمة، وإعطاء صورة اللبناني الحالم بإنهاء النزاعات ديمقراطياً بعد التعلّم من دروس الحرب الاهلية. أحلام بيار لم يمرّ عليها الزمن ولا الأزمة في لبنان انتهت وإن تفاقمت وتبدّلت بعض وجوهها فتحضر كلماته ودعوته اللبنانيين الى «التضامن أكثر من اي وقت مضى ولأن نضع ايدينا بأيدي بعضنا البعض«.

اللحظات الأخيرة من حياته أمضاها بيار في منطقة الجديدة أثناء عودته من تقديم واجب عزاء، كان يهمّ للإنضمام إلى وزراء الأكثرية للعيش في السرايا الحكومية بعد سلسلة تهديدات طالت هؤلاء. أقفل المجرمون الطريق وسُدّت كل المنافذ، حاصروه في الشارع الذي يحمل اسمه اليوم، وأطلقوا عليه الرصاص وبين رصاصة في العين وأخرى في القلب.. استشهد بيار فلحق بشهيدي العائلة مايا ابنة عمّه وعمّه بشير شهيد الجمهورية، ولحق بيار بشهداء ثورة الأرز يراقب لبنان من فوق ويحرسه بابتسامة لم تكن تفارقه.

يحكي مقرّبون من بيار كيف كان يتنقل أثناء تلك المرحلة بسيارات مختلفة من دون مواكب تسبقه أو تلحق به، ليصعّب على المجرم تنفيذ حقده بالإغتيال. لكن بيار كان أيضا قريبا من الناس، فكان كل من التقاه أثناء تجواله يلقي التحية عليه مناديا «الله يحميك شيخ بيار»، ولم يكن يتردد الشهيد في التواصل مع اللبنانيين، فكثر كانوا الشباب الذين صادفوه في سيارة متواضعة على الطريق: «شيخ بيار أنا أبحث عن عمل» وكان في كل مرة يجعل التواصل قائما بينه وبين الشباب متابعا عمله معهم بنفسه.

بيار ترك جرحا كبيرا، لا يعوّضه سوى طفليه أمين وألكسندر. فالعائلة قدّمت شهداء على مذبح الوطن: طفلة ورئيس جمهورية ووزيرا. والدة بيار تحتفظ بصورة لابنها الشهيد في حقيبتها «انظروا هذه الصورة أعطوني إياها في شرتون بعد القداس عن راحة نفس سمير وبيار، وقد التقطها أحدهم لبيار خلال زيارة له الى البلدة وهو يتأمّل جبلا مواجها له، حلوة كتير هالصورة«. بيار النائب والوزير، بضحكته الملائكية، كان متواضعا ورقيقا، فكيف لمجرم أن يفكّر بقتله؟

طبعا، حسابات المجرم كانت مختلفة يومها. فالحصار كان سياسيا، لناحية منع قيام المحكمة الدولية من جهة، وللقضاء أيضا على أكثرية الثلثين في الحكومة وتقليص عدد النواب في المجلس النيابي في طريق القضاء على الأكثرية من جهة ثانية.

لكن، وعلى عكس توقّعات المجرمين، فإن المحكمة الدولية قامت ولا بدّ سترسم نهاية لإجرامهم، وتعاقبهم على قتلهم شابا بقلب ملاك في وضح النهار، كأنما هم يمثّلون فيلما سينمائيا، يطلقون الرصاص ويمضون الى وجهة معروفة وكأن شيئا لم يكن، وكأنهم أبطال قصة ينتصر فيها الشرّ على الخير.. استقلال لبنان كلّف بيار رحلته الأخيرة الى السماء، لكن جذوره لم يتمكن المجرمون من اقتلاعها من الأرض مهما شلّع الهواء أغصانها وأوراقها، فللقضاء الدولي ألف جولة وجولة.. وحكم وعقاب.

في أجزاء من الثانية اختصر بيار 34 عاما من العمر، بين الطفولة والدلع ولحظات الرجولة في عمر المراهقة حينما كان الوالد منفيا الى باريس.. الى المدرسة والجامعة.. من لقاء قرنة شهوان الى البريستول.. من ذكرى الإستقلال الأول الذي أسهم جدّه الذي يحمل اسمه في صنعه، الى ذكرى الإستقلال الثاني الذي صنعه بيار الحفيد مع رفاقه في قوى 14 آذار.

المهم، ان ما راهنت عليه الممانعة منذ 8 سنوات لم تحقق منه شيئا، فالمحكمة الدولية تسير بانتظام غير متأثرة بانتقادات الممانعين. التحقيقات دخلت اليوم مرحلة كان اللبنانيون بانتظارها، تحكي الظروف التي كانت تحيط بلبنان وبالسياسيين، والتهديدات التي كانوا يتلقّونها، تأكيدا على أن الثأر ليس القاعدة في لبنان، والقتل ليس ثقافة اللبنانيين. الممانعة لم تنجح أيضا بتنفيذ خطّتها الرقم صفر لاحتلال المؤسسات والشوارع، لا قبل 7 أيار 2008 ولا بعده.. فالكلمة الفصل ستكون للمحكمة الدولية.

تتذكّر العائلة بيار في كل لحظة وكل موقف سياسي، تقول الوالدة جويس بصوت متقطّع «نتذكر بيار كل أحد وفي كل مناسبة، بيار لا يتركنا ولا لحظة ولا دقيقة، بيار معنا على طول». الجلسة مع الأحفاد كأي جلسة أخرى، فالجدّة تحدّثهم في كل المواضيع «يجب أن يعيشوا طفولتهم وبراءتهم، لا يفترض بنا أن نحدّثهم ليل نهار عن بيار، عن فقدان الوالد وعن الحزن، عليهم أن يتجاوزوا هذه المصيبة، أفضّل أن نمضي معهم وقت فرح وضحك كما كان يحبّ بيار أن يعيشوا، على أولاده أن يكونوا مثله، هم يحبّون الحياة، أريد إبعادهم عن الذكريات الأليمة، بيار كان يحب الضحك والفرح».

ماذا كان ليغيّر بيار اليوم؟ تجيب الوالدة «لا أظن أنه كان سيغيّر الكثير، لا بل كان سيحزن كثيرا ويتعذّب، أنا مؤمنة ومتأكدة من أنه لم يكن ليقوم بأكثر ممّا يقوم به حزب «الكتائب» اليوم، فطريقة العمل كان متّفقا بها مع والده». وتمنّت أن «يوفّق الله المؤمنين بلبنان مثلما كان يحلم بيار، يجب أن نتحلّى بالإيمان بالبلد وبالإرادة لنحقّق أحلام بيار، كان أمل بيار بالشعب اللبناني كبيرا بأن يعيش بأمان وسلام».

وفي موضوع المحكمة الدولية، تمنّت أن «تظهر الحقيقة قريباً»، مستغربة «الفترة الطويلة التي استغرقتها التحقيقات، لا أعرف.. فلن نفرح بقرار المحكمة مثلا إذا صدر بعد موتنا». وختمت «علينا ألا نفقد أملنا، هذا مهم بالنسبة إليّ، لقد آن لهذا الشعب أن يعيش بأمان وسلام».