«الإكتظاظ السكاني قدرنا وما باليد حيلة»، بهذه العبارة يختصر مسؤول فلسطيني وضع المخيمات في لبنان، التي تحوي نحو 300 ألف لاجئ فلسطيني، 80 ألف منهم يسكنون مخيم عين الحلوة في صيدا ضمن مساحة لا تتعدّى كيلومتراً مربعاً. هذا الإكتظاظ يُعزّز انتشار الفيروسات والأمراض المُعدية بين اللاجئين، الأمر الذي استدعى تأهّباً فلسطينياً داخل المخيمات للحؤول دون انتشار وباء الكورونا فيها. إذ إنّ حالة واحدة حاملة للفيروس في أحد المخيمات كفيلة بتهديد الآلاف من الفلسطينيين، وبالتالي تهديد المنطقة التي تضمّ هذا المخيم. وعلى رغم هذه الخطورة، لا ترى وزارة الصحة ضرورة في اتخاذ تدابير خاصة أو استثنائية داخل المخيمات.
كما في الأمن والوضع الإجتماعي – الإقتصادي، كذلك في الصحة، الدولة اللبنانية غير موجودة في المخيمات الفلسطينية. وكأنّ هذه المخيمات جزر معزولة، لا تتأثر بالأوضاع اللبنانية ولا تؤثر عليها. إلّا أنّ وباء «كورونا» الذي تتوسع رقعة انتشاره لبنانياً، يُهدّد اللاجئين الفلسطينيين، الذين يعيشون في ظروف حياتية وصحية صعبة.
الإجراءات نفسها
هذا الفيروس إذا «تغلغل» في المخيمات سيؤدّي الى ازدياد الحالات المُصابة التي تتطلب علاجاً وحجراً صحياً، وسيُشكّل ضغطاً إضافياً على القطاع الصحي والطبي في لبنان، غير المُجهَّز لإستيعاب عدد كبير من حالات كهذه. وسيكون كلّ من المواطن اللبناني واللاجئ الفلسطيني والنازح السوري… وأيّ مقيم في لبنان معرّضاً لخطر الموت، ليس بسبب «كورونا» فقط، إنّما بسبب النقص في الأدوات الطبية اللازمة. وقد حذّر رئيس لجنة الصحة النيابية، خلال إجتماع اللجنة أمس الأول مع وزير الصحة حمد حسن، من أنّ «ازدياد عدد المرضى سيطرح الحاجة إلى استعمال أجهزة تنفس اصطناعي، في حين أنّه لا يوجد في لبنان إلّا 500 جهاز، وثمة احتمال بحصول نقص على هذا الصعيد».
أمّا عمل الوزارة الإستباقي والإحترازي على صعيد المخيمات الفلسطينية، فاقتصر على الطلب من المنظمات الدولية المعنية إجراء اللازم. وخلال إجتماعه بلجنة الصحة النيابية، قال حسن، إنّه تواصل مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين UNHCR و»اليونيسف»، لوضع خطة وقائية للمخيمات الفلسطينية ومخيمات النازحين السوريين، في حال سُجِّلت حالات «كورونا» لديها. وكان مجلس الوزراء طلب، أمس الأول، من المنظمات الدولية تحمُّل مسؤولياتها لجهة الاهتمام بالنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين لتقديم الرعاية الصحية والخدمات الاستباقية اللازمة لهم في ما خصّ «كورونا».
لكن بالنسبة الى وزارة الصحة، إنّ «المخيمات الفلسطينية مثل أي منطقة لبنانية». وتقول مصادر في الوزارة لـ»الجمهورية»، إنّ «التوجيهات والإجراءات التي تتخذها الوزارة هي واحدة على كلّ الأراضي اللبنانية، وتشمل المواطنين والأجانب والنازحين واللاجئين، وبالتالي لم تتخذ الوزارة أيّ إجراء مميّز أو خاص داخل المخيمات الفلسطينية، فالإجراءات والإرشادات هي نفسها، بغض النظر عن الإكتظاظ». وتشير، أنّ الصليب الأحمر اللبناني مُكلّف بنقل أيّ حالة من أي منطقة أو مخيم إلى المركز الطبي اللازم، لافتةً إلى أنّ المستشفيات الحكومية ستكون جاهزة الأسبوع المقبل لإستقبال أيّ حالة.
استنفار عام
وعلى الرغم من أنّ «الأونروا» (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) هي الجهة المولجة بشؤون الفلسطينيين، ومنها رعايتهم الصحية، إلّا أنّ أمام خطر انتشار وباء «كورونا» لا يُمكن الدولة اللبنانية أن تقول: «ما إلي علاقة بالمخيمات»، خصوصاً أنّ اللاجئين ليسوا منعزلين عن محيطهم، تحديداً في صيدا، حيث يسكن نحو 50 ألف فلسطيني في المدينة خارج المخيمات.
ومثل غالبية السلطات المحلية، وضعت بلدية صيدا خطة، واتخذت مجموعة من التدابير والإجراءات اللازمة للوقاية من فيروس «كورونا» ومنع إنتشاره. ويقول رئيس البلدية محمد السعودي لـ»الجمهورية»، إنّ «حملات التوعية والتعقيم في المدينة متواصلة»، مشيراً، أنّ هناك استجابة والتزاماً تاماً بإقفال كلّ المقاهي والمطاعم، وإنّ البلدية تُشرف على تنفيذ هذا القرار بمؤازرة القوى الأمنية. أمّا داخل المخيمات الفلسطينية، فإنّ عمليات التوعية والتعقيم والإشراف والمراقبة، تقع كلّها على عاتق «الأونروا» واللجان والهيئات الفلسطينية». ويؤكّد «أننا حاضرون للمساعدة إذا دعت الحاجة».
وفي حين أنّ خطة الاستجابة لدى «الأونروا» هي جزء من خطط الاستجابة لدى الوزارات اللبنانية المعنية ومنظمة الصحة العالمية و»اليونيسف»، وتتمّ بالتنسيق مع هذه الجهات، تقول مصادر في «الأونروا» لـ»الجمهورية»، إنّ «الوضع خطير وعلينا التعامل معه بحكمة ومسؤولية». وتشير الى استنفارها واتخاذها تدابير وإجراءات وقائية عدة، على صعُد التوعوية والإرشادات والعمل والتعليم عن بُعد، فضلاً عن التواصل والتعاون مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى ووضع تصوّر لطريقة العمل في حال إصابة أيّ لاجئ بالفيروس.
ولا شك في أنّ وباء «كورونا» يُشكّل ضغطاً إضافياً على موازنة «الأونروا» التي تشهد عجزاً في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد توقف دعم الولايات المتحدة الأميركية، والذي كان يُشكّل نسبة 40 في المئة من هذه الموازنة. وتقول مصادر المنظمة، إنّ «الميزانية أقل من حاجات الناس ولا تكفي لتقديم الخدمات الأساسية لهم». وتشير، أنّ « هناك نسبة وعي عالية في المخيمات الفلسطينية، إذ أنّ هناك خطراً يجب مواجهته، خصوصاً بعد تزايد الحالات التي تعلن عنها وزارة الصحة اللبنانية، ووفاة ثلاثة منها».
لجنة ثلاثية
انطلاقاً من هذا الخطر الذي يتهدّد المخيمات، تعمل جهات فلسطينية في لبنان على إنشاء لجنة ثلاثية، تضمّ ممثلين عن وزارة الصحة اللبنانية و»الأونروا» والجهات الفلسطينية، تكون مهمتها التنسيق والإشراف، للحؤول دون تسرّب وباء «كورونا» الى المخيمات بسبب الإهمال، والعمل على إحتوائه في حال انتشاره بين اللاجئين.
وبالتوازي، تؤكّد مصادر فلسطينية مسؤولة لـ»الجمهورية»، أنّ المعنيين في المخيمات يقومون بكلّ ما يلزم، من إجراءات وقائية وتعقيم وإرشادات وتوعية، فضلاً عن التوجيهات لملازمة المنازل وتجنّب الإحتكاك وإلغاء التجمعات وعدم الخروج من المخيمات إلّا للحالات الضرورية. وتشير الى تجهيز مركز في كل منطقة يوجد فيها مخيم للاجئين الفلسطينيين، لنقل أي حالة يُشتبه فيها وحجرها صحياً.
ومواكبةً لتنفيذ هذه الإجراءات، عقدت القيادة السياسية للقوى والفصائل الفلسطينية في صيدا اجتماعاً بممثلي «الاونروا» أمس الأول، وتمّ خلاله التأكيد أنّ «الاونروا معنية ومسؤولة عن تكاليف علاج أي حالة فلسطينية مُصابة بالفيروس».
وإذ تتوزع المخيمات الفلسطينية في لبنان بين الجنوب، وصيدا، وبيروت، والشمال والبقاع، وتضمّ نحو 300 ألف لاجئ، لا تزال هذه المخيمات، حتى الآن، محمية من وباء «كورونا» الذي يهدّد كلّ دول العالم وشعوبها. وتقول مصادر فلسطينية مسؤولة، «إنّ سلاحنا الأساس لمواجهة هذا الفيروس هو «الإنتباه».