مع بدء المشاورات السياسية في قصر بعبدا، تنطلق اليوم مرحلة جديدة من تثبيت الاستقرار اللبناني، ودفن «الانقلاب» على التسوية الرئاسية الذي حاولت السعودية تنفيذه. وتأتي هذه الخطوة بمباركة أميركية ــ فرنسية ــ مصرية، للجهود اللبنانية التي ستُتوَّج بعودة الحكومة إلى الحياة
الخطوة العملية الأولى لقرار رئيس الحكومة سعد الحريري التريّث في تقديم استقالته، تنطلق اليوم مع الاستشارات التي سيُجريها الرئيس ميشال عون للكتل النيابية والأحزاب الممثلة داخل مجلس الوزراء وغير الممثلة. فمنذ الصباح الباكر، يبدأ رئيس الجمهورية لقاءاته السياسية بهدف معالجة الأزمة التي سبّبتها السعودية في لبنان، بعد إجبارها الحريري على تقديم استقالته.
وبعد الانتهاء من المشاورات، سيلتقي عون في قصر بعبدا رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لإطلاعه على نتيجة جولته، كما سيضع الحريري في صورتها. خلاصة ما يقوله أكثر من مصدر من انتماءات سياسية مختلفة، أنّ عون سيأخذ من القوى التي يلتقيها تعهدات تسمح له بإصدار بيانٍ، يصدر إمّا عن الرئاسة الأولى أو مجلس الوزراء، يؤكد الثوابت الآتية: النأي بالنفس، اتفاق الطائف، والعلاقات مع الدول العربية. بعد ذلك، من المفترض أن تعود الحكومة إلى الانعقاد، ويكون الحريري قد تراجع كلّياً عن فكرة الاستقالة. وتؤكد المصادر أنّ المسار السياسي، ومن ضمنه مشاورات بعبدا، يأتي في ظلّ غطاء دولي ــ عربي، عماده الولايات المتحدة وفرنسا ومصر. كذلك لا يُمكن فصل استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته لعقيلة الحريري وولديه في الإليزيه، عن هذا السياق. وقد هدفت الرئاسة الفرنسية، من خلال الصورة «العائلية»، إلى تأكيد أنّ حرية التنقل لعائلة سعد الحريري وخروجها من السعودية ساعة تشاء، هي من الضمانات التي حصلت عليها باريس من الرياض.
وفي هذا السياق، تُشير المصادر إلى أنّ الإليزيه تواصلت مع عون والحريري ومع القيادة السعودية، بهدف تجديد إصرارها على المُضي قدماً في إعادة ترتيب الوضع اللبناني الداخلي، بما يضمن استقرار الحياة السياسية، واستمرار التسوية الرئاسية التي قام بها الحريري، واستمرار الأخير في العمل السياسي. على الرغم من ذلك، تُبدي مصادر أخرى تشاؤمها، وهي تسأل عن «الخطوة المقبلة التي ستقوم بها السعودية؛ فمن الصعب أن يقبل ولي العهد محمد بن سلمان التسليم بالفشل التام للانقلاب الذي حاول القيام به. من غير المعروف كيف سيردّ، ولكنه مُصمّم على مواجهة إيران وحزب الله».
من جهته، ردّ برّي بشأن ما كان سيقول للأطراف السياسية المشاركة في المشاورات، لو كان مكان عون، بالقول: «العمل على مبدأ النأي بالنفس حين تقتضي مصلحة لبنان». برّي المتفائل بهذه الخطوة، اعتبر أنّ «الأهمّ هو التزام الجميع هذا المبدأ الذي سيكون عنوان المشاورات». وأشار إلى أنّه في نهاية اليوم «ستكون هناك خلاصة تُطرح في مجلس الوزراء»، مؤكداً أنه «لن تكون هناك حكومة أخرى، ولا تعديل في البيان الوزاري، ولا في مكوناتها».
على صعيد آخر، عُقد في السعودية أول من أمس أول اجتماع لوزراء دفاع ما يُسمّى «التحالف الإسلامي ضد الإرهاب»، الذي أُسس قبل عامين ولم يعقد أي اجتماع له إلا بعد القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي، والذي كان لمحور المقاومة، في العراق وسوريا، الدور الأكبر في إنهاء وجوده. ومثّل لبنان في الاجتماع السفير لدى السعودية عبد الستار عيسى، بعد أن كان عون قد كلّف الوزير يعقوب الصراف المشاركة، ثمّ طلب منه التراجع عن ذلك. وبحسب المعلومات، فإنّ وزارة الخارجية لفتت نظر دوائر القصر الجمهوري إلى أنّه حين تأسس «التحالف» عام 2015، أشركت السعودية لبنان فيه من دون إبلاغ الدولة اللبنانية بذلك، ما أدّى إلى استنكار وزارة الخارجية في حينه. انطلاقاً من هنا، ولأنّ لبنان لا يعتبر نفسه معنياً بتحالفٍ لم يُشارك في تأسيسه، تقرّر أن يُشارك عيسى بصفة مراقب، على الرغم من أنّ البعض تحدّث عن أنّ خفض التمثيل اللبناني، له أبعاد سياسية، وتأكيد للعلاقات غير المستتبة بين الدولتين بعد أزمة إقالة الحريري.