هل باتت الموازنة في أمان؟ هذا ما يأمله اللبنانيون بعد هذا المسار الطويل الذي بلغ، مع جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا أمس، عشرين جلسة عاش اللبنانيون على أعصابهم وهم يتابعونها وقد تخللها الكثير من المماحكات إضافة إلى المقترحات الجدية من دون أدنى شك.. إلاّ أنها كانت كذلك، مجالاً للاستعراضات ولعرض العضلات.. ناهيك بما رافقها من حراك في الشارع بين إضرابات وتظاهرات واعتصامات وقطع طرقات بما فيها طريق القصر الرئاسي.
ولقد أثبت الرئيس نبيه بري حرصه على الاستعجال في إنهاء هذا الملف المهم فبادر داعياً اللجان المشتركة الى بدء جلسات تتواصل حتى التوافق على «تنقيح» المشروع ودفعه الى الهيئة العامّة للمجلس النيابي. حيث تكون المحطة الأخيرة التي يتحوّل فيها المشروع الحكومي الى قانون الموازنة العامة للعام 2019! نعم العام 2019 الذي عندما ينتهي المجلس النيابي من إقرار القانون يكون قد مضى نحو ستة أشهر كاملة منه…
إذ من غير المعقول إنجاز هذه المهمّة في خلال بضعة أيام.
فبالإضافة إلى ما ستستغرقه المناقشات والدراسة المعمقة في اللجان المشتركة (لجنة المال والموازنة، لجنة الإدارة والعدل، لجنة الدفاع، لجنة الداخلية والبلديات…) فمن المنتظر أن يأخذ النقاش في الهيئة العامة مساراً زمنياً غير قصير، قد يتجاوز اليومين الى اليوم الثالث بجلستين في اليوم.
يبقى، مع احترامنا لحماسة النواب وحميّتهم ورغبتهم الشديدة في معالجة شؤون الناس عبر الموازنة العامة… مع التقدير والاحترام نود أن نلفت عنايتهم، وهم «أسياد أنفسهم» الى أنّ «ألف باء» الأنظمة البرلمانية الديموقراطية في أن يدعم النواب القرارات التي يتخذها ممثلوهم في الحكومة. والحكومة أقرت في اجتماع مجلس الوزراء أمس، الموازنة… فليس مسموحاً للنواب أن ينشروا هذه الموازنة لا على سطوح بيروت ولا على حرج بيروت، إنما واجبهم البدهي أن يدافعوا عنها، أو أن يعتصم بحبل الصمت كل من لم تعجبه هذه الموازنة ولا يريد أن يدافع عنها. أمّا أن يقر وزراء هذا التكتل وذلك التحالف و…. مشروع الموازنة ثم ينقض وزراؤهما على ما أقر ممثلوهم، فهو بدعة لا أكثر ولا أقل.
وهي بدعة غير ديموقراطية بالتأكيد.
وفي سياقٍ موازٍ ليس مقبولاً من أي وزير أن يعارض الموازنة (وأي مشروع آخر) بعد الإقرار في مجلس الوزراء. فالمبدأ الدستوري واضح جداً: الوزير يستطيع أن يناقش ويعارض ويدافع عن وجهة نظره بقوة، وأن يسجل اعتراضه وتحفظه في محضر جلسة مجلس الوزراء… ولكن عندما يقر المشروع في الجلسة لا يعود يحق للوزير أي تحفظ أو اعتراض.
والأبعد من ذلك يصبح من «واجبه» أن يدافع عن المشروع في مجلس النواب وفي سائر الأندية… وإلاّ فعليه أن يستقيل!
وهذا أضعف الإيمان.