Site icon IMLebanon

معركة بأكثر من توقيت ونظام متعدد الفوضى

 

الرؤية لا تزال ضبابية. لا أحد يريد استباق الأمور أو الجزم بما ستكون عليه الصورة حتى بعد أسبوع، إلاّ اذا كان صاحب خيال أو أسير ايديولوجيا. والكل يبدو مدفوعا بشيء من قوة الأمل وشيء من قوة القلق الى التجسيد العملي للمثل الشهير في ويلز البريطانية والقائل: المحنة أم الحكمة. واذا كان القاسم المشترك حاليا هو انتظار عودة الرئيس سعد الحريري لمعرفة ظروف الاستقالة، فان ظروف الأزمة التي قادت الى الاستقالة معروفة بالشكل والأساس والتفاصيل. لكن المعرفة وحدها ليست كافية للخروج من المأزق، لأن الفصل في الوضع اللبناني المعقّد بين ما هو محلّي وما هو اقليمي ودولي صار أكثر من أي وقت مضى مهمة صعبة ان لم تكن مستحيلة.

ذلك ان الارتباط القوي لأفرقاء أساسيين في لبنان بالمحاور الاقليمية يفرض معادلة قاسية: الأزمة الوطنية والسياسية عميقة جدا، والحل الجذري متعذر، والتسويات الجزئية والسطحية محدودة الفاعلية والصلاحية الزمنية. لا فقط على صعيد اللعبة التقليدية في الداخل وما تشهده من تشاطر وتنافس ومحاصصة في المال والسلطة بل أيضا على صعيد اللعبة الاقليمية والدولية التي دخلت مرحلة بالغة الخطورة ينطبق عليها تعبير نظام متعدّد الفوضى الذي استخدمه المؤرخ تيموثي غارتن آش.

 

اذ التوقيت السعودي للفصل الجديد من المعركة مع ايران بعد الصاروخ الباليستي فوق مطار الملك خالد في الرياض والمؤثر في التوقيت اللبناني، يسبق التوقيت الأميركي لتنفيذ استراتيجية كبح النفوذ الايراني. وكل شيء تحت عنوان الخطر على الأمن القومي. والتوقيت الايراني للمعركة والمؤثر طبعا في التوقيت اللبناني مرتبط بما تسميه طهران الانتصار في سوريا والعراق واليمن ولبنان، والتحسب لمحاولة منعها، أميركيا، من قطف ثمار النصر. وكل شيء أيضا تحت عنوان العمق الاستراتيجي للنظام الذي يمثله توسّع اقتدار ايران في المنطقة وخارجها كما قال المرشد الأعلى علي خامنئي.

ومن الطبيعي ان تقترح شخصيات عدة في المشاورات التي يجريها الرئيس ميشال عون العودة الى اعلان بعبدا والتزام الطائف والدستور والشرعية العربية والشرعية الدولية. فهذا، نظريا، هو المخرج المنطقي من المأزق. لكن علينا أن نتذكر ما حدث لاعلان بعبدا الذي جاء بالاجماع في اطار الشرعية اللبنانية وتبنّته الشرعية العربية والشرعية الدولية. إذ خرج عليه حزب الله بعد الموافقة، وسقط الحياد بين المحاور بالمشاركة العسكرية والسياسية والاعلامية في حرب سوريا. والظروف في تلك الأيام كانت أقل حدّة وتعقيدا من الظروف الحالية لصراع المحاور. وليس أكبر من الحاجة الى اعلان بعبدا سوى الموانع التي تحول دون تطبيقه بالفعل.