سجال النصر وما بعده بين شركاء في الحكومة هو استمرار لسجال ما قبله، ولكن بلهجة أعلى وفي ظروف وحسابات متغيّرة. فالشركاء لم يكتموا منذ البدء التسليم بحكومة ربط نزاع باعتراف الرئيس سعد الحريري، والنزاع المربوط بسبب ضرورات التسوية السياسية التي أنهت الشغور الرئاسي وجاءت بالحكومة ليس مجرد خلاف على أمور داخلية بمقدار ما هو تناقض بين الخيارات الخارجية. وهي خيارات سبقت حرب سوريا وكبرت الهوّة بينها خلال الحرب وظهور جبهة النصرة وداعش وسيطرة ارهابييهما على جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك.
حزب الله انخرط في القتال الى جانب النظام السوري دفاعا عن محور المقاومة والممانعة بقيادة ايران. وخصومه وقفوا سياسيا ضد النظام مع المعارضين الذين يدعمهم محور عربي بقيادة السعودية. وكان المخرج اعلان تحييد لبنان عن صراعات المحاور والابتعاد عن النيران المشتعلة من حولنا كسياسة رسمية. وهذه مهمة مستحيلة.
ولا شيء بالصدفة. لا المطالبة بمحاسبة المسؤولين عما قاد الى خطف الجنود عام ٢٠١٤ والامتناع عن مطاردة الارهابيين الخاطفين. ولا الاعتراض على الصفقة التي أدارها حزب الله مع النصرة في جرود عرسال ومع داعش في المربع الأخير من جرود رأس بعلبك والقاع والقلمون الغربي، وسمحت بخروج الارهابيين الى ادلب والميادين مقابل تسليم أسرى وجثامين لمقاتلي الحزب وكشف مكان المقبرة الجماعية للجنود اللبنانيين المخطوفين. وهذا ما حال دون ان يكمل الجيش انتصاره بالقبض على المجرمين لمحاكمتهم أو بقتلهم في المعركة. وهو ما جعل العراق يدخل على الخط معترضا على نقل الارهابيين الى مقربة من حدوده، وقائلا بلسان رئيس الوزراء حيدر العبادي ان القرار مرفوض من العراق الذي يسعى للقضاء نهائيا على داعش لا لاحتوائه.
وليس أمرا عاديا تكرار الايحاء ان اداء الجيش الرائع ضد داعش كان دورا في لعبة أكبر من لبنان. ولا بالطبع ان يمارس حزب الله بكل الوسائل ما يختصره قول: الأمر لي. فما انتهى هو وظيفة داعش في الجرود اللبنانية على الطريق الى نهاية وظيفته في حربي سوريا والعراق. وما تغيّر هو الحسابات بعد دخول حرب سوريا في مرحلة جديدة سارع المحور الذي تقوده ايران الى اعلان النصر فيها. والترجمة الأولى للنصر هي فتح الحدود وضمان الجسر الايراني بازالة أي حاجز على طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت. أما التسوية السياسية، فانها باقية. والسؤال هو: الى أي حدّ يستطيع أركان التسوية المزاوجة بين التكيّف والاختلاف مع دفع لبنان نحو المحور الايراني.