كشفت أوساط وزارية مواكبة للتباينات السياسية والاقتصادية التي رافقت كل جولات النقاش في مشروع موازنة العام الحالي، أن أرقام هذه الموازنة أتت على قياس مؤتمر «سيدر»، وأن الحكومة التزمت كلياً بما تعهّدت به أمام الدول المانحة والصناديق والمؤسّسات المالية، ولذا، فإن موعد إفادة لبنان من تقديمات مؤتمر «سيدر» الأول قد بات قريباً، ومرحلة النهوض من الأزمة الاقتصادية ستنطلق في غضون وقت قصير. وكشفت هذه الأوساط، أن المشروع الذي خرج من حلقة الاشتباك السياسي، سيخضع بالطبع لقراءة ومراجعة في اللجان النيابية المشتركة والمجلس النيابي قبل صدوره بقانون، لكنه لن يتعرّض لأي تعديلات جوهرية، وخصوصاً أن المهل الزمنية تضغط في اتجاه الإسراع بإصدار الموازنة في غضون أيام أو أسابيع معدودة.
وإذ لاحظت هذه المصادر، أن تراجع العجز من 1،4% في العام 2018 إلى 7،5% في العام 2019، يتماهى مع متطلّبات المجتمع الدولي والدول المانحة بشكل خاص، أكدت أن الضرائب غير المباشرة التي تم إقرارها، ستشمل كل فئات المجتمع، ولن تقتصر على طبقة أو فئة دون أخرى، وبما في ذلك قطاع الموظفين والعمال، وفي كل القطاعات من دون استثناء، ذلك أن الإصلاح لا يمكن أن يحيد عن أحد، على الرغم من حرص الحكومة بغالبية مكوّناتها على عدم المساس بالأجور وبالقدرة الشرائية لدى المواطنين.
ومن هنا، فقد رفضت الأوساط نفسها، كل ما يتم التداول به عن ربح أو خسارة في كل جولات نقاش مشروع الموازنة، موضحة أن الرابح يجب أن يكون الاقتصاد الوطني في الدرجة الأولى، مع العلم أن القرارات المتعلّقة بإنقاذ الاقتصاد عبر رفع الرسوم على المستوردات هي الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل، كونها تساهم في حماية الصناعات الوطنية من دون أن يسبّب ذلك ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، والتي ستلحظ ازدياداً طفيفاً. وأضافت الأوساط، أن هذا الواقع قد أتاح للحكومة التوجّه برسالة أولى مالية إيجابية إلى مجموعة الدول المانحة في مؤتمر «سيدر»، على أن تليها الرسالة الثانية من خلال التشريعات الضرورية لمباشرة الإصلاحات المطلوبة. ولفتت إلى أن الرسالة الأبرز هي تطويق التوتر السياسي الذي رافق النقاش الحكومي، والذي عزّز مناخ الشكّ وعدم الثقة محلياً وخارجياً، ورسخ ظلالاً كثيفة على الاستحقاقات المقبلة ذات الطابع الإقتصادي والمالي.
وعلى الرغم من أن الموازنة العامة التي وصلت إلى محطتها الأخيرة في قصر بعبدا لا تجسّد خطة متماسكة كما كشفت الأوساط الوزارية نفسها، فإنها سلكت الطريق نحو تلافي الخلل الذي أصاب عملية انتظام الحسابات المالية نتيجة التأخير عن إنجاز المشروع في موعده الدستوري المقرّر.
وفي هذا السياق، تحدّثت الأوساط ذاتها، عن رهان على التفاهم المطلوب بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري، من أجل إخراج الموازنة العامة من نطاق المزايدات السياسية وإطلاق عملية إصلاح وتحصين الوضع المالي والاقتصادي من خلال إجراءات جريئة ذات مردود مالي سريع، على الأقل في الأشهر القليلة المقبلة والمتبقية من العام الجاري.