التخويف بالفراغ هدفه الإبتزاز السياسي لفرض الشروط يقابله التلويح بأكثر من سيناريو لتأمين استمرارية مؤسسات الدولة
النقاشات المطوّلة حول صيغة مشروع القانون الإنتخابي الجديد ضيَّقت شِقّة الخلافات حول الأفكار المطروحة
مع اقتراب انتهاء مدة المجلس النيابي الحالي في العشرين من الشهر الجاري، واستمرار تعثر المشاورات الجارية للاتفاق على صيغة مشروع قانون الانتخاب الجديد، تتزايد المخاوف من استهلاك ما تبقى من ايام معدودة لا تتعدى الاسبوع الواحد من دون التوصل الى الاتفاق المنشود والدخول في مرحلة الفراغ كما يسميها البعض او المجهول بما يحمله من تداعيات خطيرة لا يمكن التكهن بنتائجها السلبية على الوطن ككل وعلى مصير النظام السياسي برمته.
الرهان على حتمية التوصل الى اتفاق على صيغة مشروع القانون الجديد، لأنه ليس لدى الاطراف السياسيين خيار آخر او إمكانية للبقاء هكذا من دون التوصل الى قانون جديد كما يردد رئيس الحكومة سعد الحريري والاصرار على توظيف ما تبقى من ايام معدودة لتحقيقه، تقابله جملة مواقف سلبية من بعض الاطراف الاخرى والتشبث بمطالب صعبة وغير مقبولة من معظم الاطراف وتقلب من صيغة لأخرى كما فعل مراراً رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، الامر الذي يعطي انطباعا غير مريح للرأي العام بمجمله جراء هذه الممارسات التي تضع البلاد مجدداً في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي وما يمكن ان ينجم عنها من مخاطر على الاوضاع الامنية والاقتصادية الهشة بفعل الحروب المشتعلة في الجوار السوري والازمات المتصاعدة في المنطقة العربية ككل.
ولكن بالرغم من انقضاء الوقت في المشاورات والنقاش حول الصيغ المطروحة لمشروع قانون الانتخابات الجديد وعدم بلوغ التوافق على اي صيغة منها في الاشهر الماضية، ترى مصادر سياسية ان محاولات البعض عرقلة مساعي التوصل لصيغة مقبولة للقانون الجديد ودفع الامور حتى الساعات الاخيرة للمهلة المحددة للبت فيها، بهدف استغلال المخاوف المطروحة لفرض مطالب وشروط غير مقبولة من باقي الاطراف او بمعظمها كما تبين من النقاشات المستفيضة للمشاريع والافكار والمتداولة حول قانون الانتخابات العتيد، وبالتالي لن تؤدي هذه المحاولات او دفع الامور الى حافة الهاوية كما يقال لإرغام المعترضين عليها للقبول بها قسراً وتحت التهديد غير المباشر بالفراغ او المجهول او اعادة النظر بالنظام السياسي كما يروج البعض لذلك في مجالسه، لأنه لا يمكن فرض صيغة أي قانون انتخابي فرضاً وتحت تأثير مفاعيل المتغيرات الاقليمية والتدخلات الخارجية، لأن ذلك سيؤدي الى إعادة التأسيس لمشكلة خطيرة او ازمة كبيرة بعد وقت وجيز كما حدث مراراً في تاريخ لبنان الحديث، لكي يستمر الالتزام بهذا القانون وتطبيقه من قبل الجميع من دون استثناء.
وفي اعتقاد المصادر المذكورة فإن الرهان على ان الفراغ يخدم هذا الطرف او ذاك لبلوغ غاياته، إن كان في تحسين حظوظ فرض شروطه ومطامحه من خلال الافكار والصيغ التي تعتمد في طياتها استنساخ القوانين الطائفية والمذهبية الضيقة أسوة بصيغة القانون الارثوذكسي وما شابه بحجة المحافظة على المسيحيين من متغيرات المنطقة في ضوء الموجة المتطرفة للاسلاميين التي تعمها حاليها، لن يكتب لها النجاح لأنها ستواجه برفض شبه شامل من باقي الاطراف التي أبدت تفهمها لكل الهواجس المطروحة من اي طرف او طائفة كانت وقبلت بالعديد من التنازلات الاساسية في الصيغة المطروحة للدوائر النسبية الخمسة عشر، في حين ان ما تبقى من شروط شبه تعجيزية وليست مطالب محقة، لن تؤدي الى تنازلات اضافية كما يتوقع اصحابها، بل ستزيد الامور تعقيداً، والاجدى الالتفاف والاتفاق حول صيغة مشروع القانون التي تحظى بتفاهم واتفاق معظم الاطراف وصرف النظر عن الافكار والطروحات الخلافية الاخرى.
وتؤكد المصادر السياسية أن تخويف المواطنين بالفراغ السياسي في حال انتهاء ولاية المجلس النيابي من دون التوصل إلى اتفاق على صيغة قانون الانتخابات الجديد وتحديد موعد اجراء الانتخابات المقبلة، هو أمر مبالغ فيه وهدفه الابتزاز السياسي والتهويل على المواطنين، لأنه في حال بلوغ هذا الأمر، فان هناك أكثر من سيناريو لتأمين استمرار المؤسسات الدستورية ومنع حدوث الفراغ حفاظاً على الدولة ككل ومنع انهيارها خلافاً لكل ما يروّج من سيناريوهات تخويفية أخرى، وهو ما تم اعتماده خلال سنين الحرب الأهلية المشؤومة التي مرّت على لبنان منتصف سبعينات القرن الماضي.
وتخلص المصادر إلى القول أن النقاشات المطولة حول صيغة مشروع القانون الانتخابي الجديد أدّت إلى تضييق شقة الخلافات والتباينات حول الأفكار والطروحات إلى الحد الأدنى، وبالتالي فان ما تبقى معلقاً ليس مستعصياً على الإطلاق ويمكن حله إذا توافر النيّات السليمة بخصوصه، ولن يُشكّل عائقاً لتعطيل المشروع ككل لأنه ليس اساسياً في مرتكزات الصيغة المطروحة، وقد يكون تركه معلقاً حتى الساعات الأخيرة ما قبل طرح المشروع على المناقشة في مجلس الوزراء يوم غد بمثابة المحاولة الأخيرة لفرض ما يمكن فرضه قبل انقضاء المهل، وقد يكون ذلك صعباً وحتى مستعصياً في ضوء الرفض شبه الشامل لمثل هذه الممارسات والاساليب الممجوجة.