قرار كبير بضرب «حزب الله» لتغيير المعادلة في المنطقة!
كيف سيتصرف المستوى الرسمي اللبناني إذا تطورت المواجهة من العقوبات إلى الحرب؟
«تولدّت قناعة خليجية – أميركية أن القوى المنخرطة في التسوية ذهبت بعيداً في مهادنة الحزب وهذا يرفع منسوب المخاطر على لبنان»
قد يكون من المبالغة اعتبار المواقف الغاضبة والشاتمة لـ«حزب الله» وحتى لسيده يوم الثلثاء الماضي بعد ازالة الدولة لمخالفات في حي السلم الخاضع لنفوذ «الثنائية الشيعية» تعبيراً عن مزاج حقيقي يعتمر نفوس أبناء البيئة الحاضنة للحزب ولـ«الثنائية» عموماً من الحال الذي وصلوا إليه. هي ليست بوادر انتفاضة على واقع غير سوي يشعر فيه كثير من قاطني الضاحية أبناء تلك البيئة الاجتماعية، ويتحدثون فيه بين الجدران وفي الغرف المغلقة دون الافصاح عنه جهارة ليس نتيجة الخوف بقدر الحرص على التضامن المذهبي والطائفي لكل جماعة من الجماعات اللبنانية حتى ولو كان ذلك التضامن على حساب مصالح الأفراد وحساب مستقبلهم ومستقبل أولادهم. هو جزء من المرض الطائفي الذي ينخر الجسم اللبناني والذي ظن اللبنانيون أنهم تجاوزوه في لحظة تاريخية آل إليها اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجسّدها تاريخ الرابع عشر من آذار 2005 يوم ظهرت إرادة وطنية جامعة مسيحية – إسلامية استطاعت بوحدتها وبدعم عربي ودولي لها أن تخرج الوجود السوري من لبنان بعد ثلاثين عاماً من السيطرة العسكرية التي تحولت احتلالاً مقنعاً ومقونناً، وإن كانت «الشيعية السياسية» بدت خارج تلك الوحدة نتيجة انخراطها التام في المحور السوري – الإيراني الذي كان ولا يزال مستمراً.
يومها في خضم المعركة، اتجهت قوى الرابع عشر من آذار إلى تبني معادلة إخراج القوات السورية من لبنان واحتضان «حزب الله» الذي كان القرار الدولي 1559 ينص على نزع السلاح غير الشرعي الذي يمثله، بحيث اخذت قيادات 14 آذار تجول عواصم العالم في مهمة لإقناعها أن «حزب الله» مكون لبناني وأن مسألة سلاحه تحل داخلياً من خلال طاولة حوار. كانت تلك القيادات تدرك أن هذا الأمر الشائك لا يمكن حله من خلال حوار داخلي لأن «حزب الله» ومنذ اللحظة الأولى لتأسيسه قدم نفسه كجزء من مشروع سياسي يهدف إلى الوصول للدولة الإسلامية تماهياً مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأن سلاحه جزء من المنظومة الإيرانية في المنطقة ومشروع تصدير الثورة. لكن اتخاذ ذلك الخيار كان نتيجة إدراك تلك القوى أن مواجهة سوريا و«حزب الله» معاً مسألة غير ممكنة، وأنه بالتالي يمكن الرهان على إمكانية عقلنة الحزب ولبننة مشروعه. هذا في وقت تماشت عواصم القرار ولاسيما العواصم الأوروبية مع تلك المعادلة.
نجحت «الثنائية الشيعية» في تجاوز العواصف، وحمى رئيس مجلس النواب نبيه بري ظهر شريكه يوم أبلغ كل من راجعه أنه يقف خلف «حزب الله»، قاطعاً الطريق على أي رهانات خاطئة بإمكانية الإبتعاد أو التمايز، مُطلقاً حواراً داخلياً في مجلس النواب كانت الاستراتيجية الدفاعية أحد بنوده، فكان حوار تقطيع الوقت إلى أن حلت «حرب تموز 2006 «لتؤكد هشاشة الحوار والرهان عليه ولتؤكد مجدداً أن قرار السلم والحرب ليس بيد الدولة بل بيد «حزب الله».
وعلى رغم نجاح حكومة فؤاد السنيورة من ابتكار النقاط السبع التي باركها الفاتيكان وتحولت الى قرار دولي هو القرار 1701 الذي أوقف الحرب، انقلب «الثنائي الشيعي» على الحكومة بالانسحاب منها، واستُكمل بـ«غزوتي بيروت والجبل» في أيار 2008، لينتج عن ذلك «اتفاق الدوحة» الذي ترجم موازين استخدام السلاح في المعادلة السياسية الداخلية، ولاحقاً مع فشل المجتمع الدولي في الرهان على إمكانية احتواء النظام السوري واعادته إلى المنظومة العربية وفك ارتباطه عن طهران، ومع انخراط طهران ومعها روسيا في الحرب السورية دفاعاً عن نظام الأسد في وجه ثورة شعبه.
وفي رأي مراقبين أن التاريخ اليوم يعيد نفسه. فـ«حزب الله» يتعرض لضغوط كبيرة، وهي ضغوط مصيرية مع الاقتناع السائد أن قرار القضاء على «حزب الله» قد اتخذ ليس فقط أميركياً بل أيضاً على مستوى حلفائها الإقليميين ولاسيما في الخليج العربي وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ضمن سياسة مكافحة الإرهاب والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.وهي سياسة تهدف إلى اجتثاث أذرع إيران الاستخباراتية والأمنية والعسكرية، وعلى رأسها الذراع الأقوى المتمثل بـ«حزب الله»، كما بـ«جماعة الحوثي» الذي أعلن بوضوح ولي العهد السعودي عدم السماح في أن يتحول الحوثيون في اليمن إلى «حزب الله» آخر على حدودها، وحتى الفصائل في «الحشد الشعبي» في العراق» الخارجة عن سلطة الدولة ومرجعية القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي، والتي تأتمر بإيران، وكلها منظومة واحدة بأهدافها وإرتباطها.
التاريخ يعيد نفسه، مع فارق أكثر سلبية بتداعياته على لبنان، حيث العهد والحكومة ولبنان بمؤسساته مجيّر في خدمة حماية «حزب الله»، حتى ولو كان الثمن باهظاً على لبنان بمجمله. وتكمن الخطورة اليوم في تلك المظلة الرسمية للحزب، حيث أن التسوية الرئاسية وانخراط القوى السياسية الرئيسية والممثلة لطوائفها فيها أدّيا ليس فقط إلى غياب التمايز بين السلطة والحزب بل إلى انتفاء وجود معارضة فاعلة ومؤثرة قادرة أن تشكل ثقلاً معنوياً وسياسياً وشعبياً في رفض هيمنة «حزب الله» على الدولة ومن خلفه إيران على القرار السياسي اللبناني.
فغياب الحد الفاصل بين الدولة والحزب وتولّد قناعة خليجية – أميركية أن القوى المنخرطة في التسوية ذهبت بعيداً في تسليمها ومهادنتها للحزب ومشروعه الهادف إلى تكريس اليد الطولى لإيران ومشروعها في لبنان ومن بوابته سيرفع منسوب المخاطر على لبنان نحو شكل أحد أسباب يساهم في ارتفاع منسوب المخاطر علىلبنان، ويزيد من الضغوط على الحكومة وعلى مجمل المؤسسات من أمنية واقتصادية ومالية. فالعقوبات الأميركية في نسختها المعدلة لن تقتصر أضرارها على «حزب الله» وبيئته الحاضنة، بل ستمتد لتصيب شرائح أوسع من المجتمع اللبناني، في وقت يتجاهل المسؤولون اللبنانيون تلك العواقب التي سترتد عليهم وعلى القطاع المصرفي وعلى اللبنانيين، كما سترتد على «حزب الله» وبالتالي على بيئته التي ستشعر يوماً بعد يوم بوقع العقوبات، وهو ما تهدف إليه العقوبات أصلاً، كوسيلة من وسائل الضغط وتأليب بيئته والبئية اللبنانية عموماً عليه.
ولا تكمن الخطورة في حض الاتحاد الأوروبي على تصنيف «حزب الله» بالكامل منظمة إرهابية وعدم الفصل بين جناحيه السياسي والعسكري، لأن المزاج الأوروبي الرسمي لا يبدو في هذا الاتجاه، بل تكمن الخطورة في تصديق مجلس النواب الأميركي على «مشروع قانون معاقبة «حزب الله» على استخدامه غير المشروع للمدنيين العزَّل كدروع بشرية لحمايته». فذلك القانون الذي يترافق مع تقارير موثقة عن استخدام «حزب الله «في السابق المواطنين دروعاً بشرية وعن نيته في استخدامهم مجدداً في أي حرب مقبلة عبر اطلاق منصات الصواريخ من قلب الأحياء السكنية بما يستدعي الرد على أماكن انطلاقها، يلتف مسبقاً على أي امكانية من قبل «حزب الله» والحكومة اللبنانية والضغط الاعلامي من أن يفعل فعله في المجتمع الدولي، ما يعني أن أي حرب مقبلة إذا وقعت من شأنها أن تكون حرباً لا تميِّز بين ما هو خط فاصل بين القوى النظامية والقوى الميلشياوية إذا لم يتدارك الجيش اللبناني ذلك، ولا توفر المقومات الحياتية للبنانيين من محطات مياه وكهرباء ما لم تستدرك الحكومة ذلك، ولن يجد لبنان أصواتاً مساندة منددة لهمجية إسرائيل ما دام «حزب الله» يستخدم أبناءه وبيئته دروعاً بشرياً وما دامت هذه المسألة أضحت موضع إدانة مسبقة وإن كان الأمر اليوم محصوراً على المستوى الأميركي- الإسرائيلي.
في يوم من الإيام من العام 1982، لم يصدق كثيرون أن قرار إنهاء منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت فوق الدولة قد تخذ، إلى أن حصل الاجتياح الإسرائيلي. اليوم كثيرون لا يصدقون أن قرار إنهاء «حزب الله» قد اتخذ. يومها كانت منظمة التحرير وفق مقياس ذلك الزمن في موقع أهم مما هو عليه «حزب الله» وتمّ انهاؤها. السؤال: هل يمكن أن يأخذ «حزب الله» العبرة من قراءة التاريخ، أم أن الآوان قد فات؟ والسؤال الأهم: هل يمكن للسلطة السياسية أن تخطو خطوة إلى الوراء بحيث ترسم خطاً فاصلاً ولو وهمياً بينها وبين «حزب الله» من أجل تجنيب لبنان وأبنائه كأس السياسات الخاطئة.