«لعبة البلياردو» بين عون وبري: أبعد من التهميش أو اتفاق الطائف!
أزمة الاستقالة أطاحت بمفاعيل لقاء كليمنصو 1.. وبيت الوسط ليس بوارد التحالف الانتخابي ضد التيار الوطني
بري يغازل «القوات».. و«حزب الله» يسبر أغوار المرحلة المقبلة من التحالفات إلى المفاجآت والمتغيّرات
أية تداعيات ستؤول إليها أزمة مرسوم «أقدمية ضباط دورة عون» على مستوى العلاقة بين أركان الحكم وانتظام عمل المؤسسات أولاً، وعلى مستوى استحقاق الانتخابات النيابية والتحالفات في تلك الانتخابات ثانياً؟ مرد السؤال يعود إلى أن «النقزة» التي أحدثها توقيع المرسوم ستطل برأسها عند كل استحقاق داخلي، حتى ولو تمّ إيجاد مخارج للأزمة الراهنة. فليس سراً أن «الشيعية السياسية» سبق لها أن أثارت مرّات عديدة، في السر والعلن، مسألة الضمانات لعدم تغييب قرار الطائفة الشيعية، بوصفها مكوناً أساسياً في البلاد، عن قرارات السلطة التنفيذية. هذا الموضوع أثير خلال مناقشات «الطائف»، وبرز لاحقاً بعدما استقال الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006 فأكملت عملها، ويطفو إلى السطح كلما جرى التطرّق إلى الحاجة لتعديلات دستورية، وسيتم طرحه بقوة مستقبلاً بعد أزمة المرسوم.
فإذا كانت مناقشات الطائف أدت إلى اتفاق مبدئي على أن تُناط حقيبة المالية بوزير شيعي، بحيث يكون توقيعه الإلزامي على المراسيم والقرارات التي تنجم عنها أعباء مالية على الدولة تعبيراً عن الشراكة المطلوبة، فكيف سيتم اليوم التعامل مع هذه السقطة الدستورية؟ وإذا كانت مخاوف تكرار استمرار الحكومة، في ظل غياب مكوّن أساسي، دفعت إلى المطالبة بالثلث المعطل خلال حكومات ما بعد 7 أيار، فكيف ستكون عليه الأمور مستقبلاً مع إثارة الإشكالية الجديدة – القديمة عن ثنائية مسيحية – سنيّة تحكم إدارة شؤون البلاد؟ مغزى الكلام أن أزمة المرسوم، سواء جرى تضخيمها أم لا، يتم النفاذ منها من أجل إعادة تكريس اتفاقات مبدئية تحل كأعراف مكان الأنظمة والدساتير، تحت عنوان «الديموقراطية التوافقية» أو «الترويكا»، التي يبدو أن أكثر من طرف سياسي بات مقتنعاً بأنها النموذج الأفضل لطريقة الحكم في لبنان، في ظل وجود طوائف ومذاهب أضحت هي التي تجسّد المكوّنات السياسية.
ثمّة مَن يلفته التزام «حزب الله» بالصمت المُطبَق حيال أزمة المرسوم، ما يدفع بالمراقبين إلى التساؤل عما إذا كان موقفه نابعاً من «إحراج ما» أمام شريكه في «الثنائية الشيعية»، بفعل مسايرته الحليف العوني من دون أن يتم التنسيق معه، والذي ظهر للجمهور الشيعي وكأن هناك تهميشاً مقصوداً للشيعة من قبل «الثنائية المسيحية – السنية» قبل أن يكون تجاوزاً للدستور، أم أن الحزب يريد للأمور أن تأخذ مداها، ما يُعطيه القدرة على سبر أغوار خريطة القوى واللاعبين الأساسيين والثانونيين، وما يتم إعداده على مسرح التحالفات وفي الكواليس، لا سيما وأن المرحلة الفاصلة عن الانتخابات قد لا تخلو من مفاجآت مع الملفات المفتوحة في ساحات الصراع، واستمرار الحرب المعلنة ضد «محور الممانعة» والمرشحة للاستعار.
الكلام عن احتمال أن يكون الحزب في مرحلة تأنٍ ورصد، ينطلق من اقتناع بأن أزمة الرئيس الحريري أطاحت بمفاعيل سياسية سابقة. والمقصود هنا مفاعيل لقاء «كليمنصو 1» الذي ضم كلاً من الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط. يومها، شكّل هذا اللقاء تخوفاً من أن يكون «حلفاً ثلاثياً» قيد الإعداد أو تمّ الاتفاق عليه. فبرّي يوحي بمرارة إلى خذلان الحريري له في موضوع «مرسوم الترقية»، رغم أن عارفي رئيس المجلس يدركون مهارة الرجل في لعبة «البلياردو»، ويدركون أنه من خلال التصويب على «طابة» الحريري أنما يرمي إلى إصابة «طابة» أخرى.
على أن المشهد قد يبدو على بعض من التعقيد، إذا جرى التوقف أولاً عند المغزى السياسي لكلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن ضمانة بري لعودة الحريري عن استقالته، وأن المملكة دعمت ذلك، وإذا جرى التوقف، ثانية، عند لقاء «كليمنصو 2» الذي جاء على شكل لقاء عائلي ضم جبران باسيل وعقيلته وجنبلاط وعقيلته. لقاء يحلو لبعض المتابعين الإشارة إلى أنه تمّ بدفع من الحريري الذي يريد أن يكون لديه هامش أوسع في التحرّك الانتخابي تحديداً، بما يجعله في حلٍ من مفاعيل «كليمنصو 1» لمصلحة مفاعيل «كليمنصو 2»، حيث يُشكّل هو جزءاً طبيعياً منه.
فالأجواء التي تطغى في الكواليس السياسية تشي بأن الحريري ليس في وارد تشكيل تحالفات انتخابية في وجه تيار رئيس الجمهورية، ذلك أن مستوى العلاقة بين الرجلين بلغ مراحل متقدمة من المتانة والتفاهم، وعززتها أزمته الأخيرة التي تعامل معها عون بكثير من الترابط والحزم، ما يجعله يرفض، من موقع «ردّ الجميل»، أن يكون خصماً انتخابياً لـ«التيار الوطني الحر» في أي دائرة من الدوائر الانتخابية، لا بل يعمل على أن يكونا متحالفين، فضلاً عن أن مضامين التسوية الرئاسية وملحقات تجديد التسوية حملت في طياتها اتفاقات ليس مستبعداً أن تكون رسمت معالم الرئاسة الأولى في مرحلة ما بعد عون، لمصلحة باسيل!
لكن في ظل المناخات المتوترة والكيمياء المفقودة بين عون وبري، وإن مرّت سحابة صيف توافقية فرضتها ظروف استقالة الحريري، فإن زعيم «المستقبل» سيجد نفسه في مأزق لا يُحسد عليه، إذا كان عليه أن يختار بين التحالف مع بري أو التحالف مع عون، أو إذا كان هناك مَنْ يَنظر عربياً، وربما دولياً، على أن التحالف مع عون هو امتداد للتحالف مع «حزب الله»، بما يعني أن هناك خطاً أحمر مرسوم أمام رئيس الحكومة. وماذا عن التحالف الذي لا يتزعزع بين جنبلاط وبري؟ فجنبلاط في «تغريدة» أولى له على «تويتر» نصح بالعودة عن «المرسوم غير المُتفَق عليه»، ورأى في «تغريدة» ثانية أن استمرار الخلافات وتفاقمها نتيجة المرسوم سيزيد الأمور تعقيداً. وقد يذهب في مهبّ الريح كل ما رافق من تفاؤل بعد عودة الحريري عن استقالته، محذراً من احتمال نكسات مُوجعة.
وكلام رئيس الجمهورية أمام وفد من المؤسسة العسكرية أنّ «مشكلة المرسوم» تحمل في طيّاتها صراعاً سياسياً على أمور أخرى، يؤشر في جانب منه، إلى احتدام المعركة على التحالفات الانتخابية، وإن كان ثمّة مَن يرى أن بري، من خلال هجومه على المرسوم، إنما يُوجّه رسائل في غير اتجاه، منها ما يتعلق بموقعه كممثل لمكوّن سياسي يعكس شريحة وازنة من المجتمع الشيعي لا يمكن تجاوزها في إدارة شؤون الحكم، تحديداً، من خلال تسويات مع «حزب الله»، ومنها أيضاً أن برّي «المتوجّس» يريد أن يُثبّت، قبل الانتخابات، «أسس الشراكة» للمرحلة الجديدة لما بعد الانتخابات التي يعتبر العهد أنه معني بها، كونها تؤسّس للطبقة السياسية التي ستحكم البلاد في المدى المستقبلي، ومنها أيضاً أن زعيم حركة «أمل» قادر على نسج تحالفات خارج منظومة «8 آذار»، ولا سيما في الوسط المسيحي، حيث بوادر الغزل والتعاون بين حركة «أمل» وحزب «القوات اللبنانية» في غير دائرة بدأت تظهر إلى العلن، وقد تطاول الوسط السني في بعض الدوائر، في ما يشكل خلطاً للأوراق قد تشهده الساحة الانتخابية، فيما لسان حال من يراهنون على «حزب الله»، أن برّي لن يذهب بعيداً!