من يتابع جولات “وزير العهد” جبران باسيل ومضمون خطابه في كل منطقة، يحسب أن الانتخابات النيابية على الأبواب. وبات معروفاً أن غالبية السياسيين وقبل الاستحقاق الانتخابي يستخدمون لغة تثير العصبيات الطائفية والمناطقية لشد عصب الجمهور. ولأن الانتخابات النيابية انتهت مساء 6 أيار 2018، فإن ما يبالغ به باسيل، من جولات تحت عنوان “استعادة حقوق المسيحيين”، لا يمكن وضعه إلا في إطار معركة رئاسية يتمّ خوضها باكراً وكأن ولاية الرئيس الحالي ستنتهي غداً.
يحاول باسيل استحضار سياسة اليمين المتطرف، سواء في الهوية المجتمعية أو الدينية أو القومية، كالحاصلة في أوروبا والبرازيل والهند وإسرائيل، فيبالغ مثلاً، وإلى حد “العنصرية”، في خطابه تجاه اللاجئين السوريين، ويفتعل الأزمات مع غير المسيحيين ويستأثر بكل “الحقوق المسيحية”، ليحظى أخيراً بحالة تخوله أن يكون “الرئيس القوي”.
ورغم المصائب التي حلّـت بلبنان منذ انطلاق “العهد القوي”، لا يتردد “التيار الوطني الحر” في تكرار هذا المصطلح. فبعد الزيارة التي قام بها وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي إلى “دار الفتوى”، لتلطيف الأجواء مع السنّة بعد خطاب باسيل في البقاع، تحدث عن “حكم الأقوياء”، وشرح: “الأقوياء هم الذين بالتمثيل وبمعايير التمثيل الشعبي في مكوناتهم ينتقلون منها الى رحاب الوطن”. وهذا ما يقوم به باسيل، بادخال لبنان في “عصفورية حكم الأقوياء”، أي على كل من يطمح للرئاسة أن يكون قوياً في طائفته ويكسّر من هم حوله، وهو أشبه بنظام “شعبوي يقوم على الفرز الطائفي”، ولا علاقة له بما ورد في وثيقة الوفاق الوطني التي تتحدث عن دولة مركزية قوية وليس الأفراد الأقوياء.
تصح الإشارة إلى ما ورد في الصفحة 543 من كتاب الخبير الدستوري “حسن الرفاعي حارس الجمهورية” الصادر العام 2018: “إن دور رئيس الجمهورية في نظامنا البرلماني الديمقراطي مهم، شرط ألا ينحاز إلى فئة أو طائفة أو مذهب أو حزب، وألا يُجيّر أو يسمح بتجيير مصالح الدولة وإيراداتها للأزلام والأقارب والمحاسيب”. كما كتب في إحدى مقالاته: “أقف مصدوماً من محاولات بعض من هم اليوم في موقع السلطة والمسؤولية للعودة إلى ممارسات فئوية وشعبوية واستفزازية تطعن كلها الدستور والنظام الديمقراطي البرلماني ولبنان، وتعيدنا إلى أجواء كانت سائدة عشية الحرب الأهلية”.
وبعدما بات الجهد الذي يبذله باسيل معروف الهدف، يصح التذكير بما قاله رئيس “القوات” سمير جعجع عن باسيل: “شو الله جابرو؟”.