Site icon IMLebanon

انقلاب أبيض في “قصر بسترس” أبطاله مستشارو باسيل

تنظّم وزارة الخارجيّة والمغتربين للسنة الثانية على التوالي، “مؤتمر الطاقة الإغترابية” بين 21 و23 الجاري، ويقول المنظمون بحسب الدعوات أنّ المؤتمر يهدف الى “تسليط الضوء على نجاحات مغتربين لبنانيين وحثّهم على الحفاظ على اتصالهم بلبنان، من خلال التغنّي بالتراث اللبناني وتعزيز صورته الإيجابية في العالم”.

في هذا الإطار، تسود في أروقة وزارة الخارجية تساؤلات عن هذا المؤتمر والجدوى منه، والأسباب التي تقف وراء استبعاد الجسم الديبلوماسي عن التنظيم إلا في الخطوط العريضة والعلنية بعيدا من التفاصيل الدقيقة للدعوات واختيار الجهات الراعية وصولا الى تساؤلات تطال الشفافية في إدارة  المؤتمر وتمويله.

كثرة التساؤلات مرّدها شعور ديبلوماسيي قصر بسترس برغبة الوزير جبران باسيل وفريق عمله بإدارة الوزارة من دونهم ويصل منسوب عدم الثقة المتبادلة حدّ التشكيك برغبة سحب صلاحيات الوزارة منها لمصلحة فريق الوزير الإستشاري ومساعديه المقربين.

ولا يجد “سكّان قصر بسترس” سبيلا لمصارحة باسيل بهواجسهم لمعرفة صوابها أو خطئها، إما بسبب أسفاره الدائمة وإما بسبب نمطه في العمل، وهو المعروف عنه أنه يوكل الكثير من المهام الى المستشارين نظرا الى تشعّب مسؤولياته في الوزارة والسياسة و”التيار الحر”.

 وإذا كان هذا الأسلوب فعّالا في إدارة المشاريع، فإن وزارة الخارجية والمغتربين هي شواذ عن هذه القاعدة نظرا الى القوانين البروتوكولية الصارمة والأصول القانونية التي تحكم العلاقة بين الديبلوماسيين تبعا لفئاتهم وأقدميتهم.

يحاول باسيل نسف هذه المعادلة التي يراها “بيروقراطية” بحسب أحد مساعديه، لكنّ ما يصفه الوزير بـ”البيروقراطي” يعتبره الديبلوماسيون “انتهاكا للأصول القانونية والإدارية ستكون له تداعياته العميقة على سير العمل وعلى التعاون بين الجسم الديبلوماسي من جهة وبين فريق الوزير من جهة ثانية”.

وبسبب انتهاك الأصول، اعتكفت فئة واسعة من المستشارين في الوزارة عن المشاركة في التحصير لمؤتمر الطاقة برفضها تلقي دعوات الإجتماعات وترؤسها من قبل مساعدي الوزير ومستشاريه لعدم جواز هذا الأمر.

وإذا كانت “الأصول” و”الشكليات” تحكم الوزارة السيادية وتدفع الديبلوماسيين الى الإعتراض اعتكافا، فكيف إذا رصد هؤلاء محاولة جدّية لسحب صلاحيات هذه الوزارة وإيكالها الى جمعيّة أهليّة لو قدّر لتأسيس “جمعيّة الطاقة الإغترابية” أن يأخذ مجراه الطبيعي تحت مسمّى “جمعية أهلية”!

فقد رفضت وزارة الداخلية منح هذه الجمعية “العلم والخبر” لأنّ الجمعية المذكورة تقوم بنفس المهام المنوطة بوزارة الخارجية والمغتربين، وتخالف القوانين والأنظمة المرعية الإجراء. ومن أهدافها على سبيل المثال: إجراء الربط الإلكتروني بين السفارات وتبادل المعلومات بينها وبين الإدارات اللبنانية ومنها وزارة الخارجية، وهذا يعني حلول الجمعية محل إدارة عامّة تدير مرفقا عاما.

ولعلّ إسم هذه الجمعية الذي حذف عن الدعوات للمؤتمر بات يشكّل استفزازا معنويّا لـ”سكان بسترس” الذين يرون تعدّيا على صلاحيات وزارتهم، وخصوصا وأنّ “مؤسسيها” هم القيمون الأساسيون على تنظيم مؤتمر الطاقة الإغترابية.

لكنّ مصدرا ديبلوماسيا مقرّبا من باسيل ومطلع على تفاصيل التنظيم يقول لـ”السفير” بأنّ هذه الجمعية لم تؤسس بعد رسميا، وكل ما حصل هو اعتراض على بند وحيد يجري العمل على تعديله ولا داعي لتحميل الأمر أكثر مما يحتمل”.

إنزعاج في السفارات اللبنانية

الشعور  بالإستفزاز يطير من “قصر بسترس” الى بلاد الإغتراب وتحديدا الى السفارات اللبنانية في أكثر من بلد إغترابي. فقد أرسلت وزارة الخارجية تعميما يطلب من السفارات إرسال لوائح بأسماء الشخصيات الإغترابية التي ينبغي دعوتها الى المؤتمر، وتمّ تأسيس موقع إلكتروني يسجّل عبره المغتربون الراغبون بالمشاركة أسماءهم(www.lde-leb.com )

وبالفعل، أعدّت السفارات لوائحها، مع اعتراض يبقى في معظم الأحيان همسا بغياب معايير واضحة بالنسبة الى اختيار المشاركين. وتشير مصادر مطلعة الى أنّ عملية التسجيل سواء في السفارات اللبنانية أو عبر الموقع الإلكتروني هي ضعيفة ومن تسجّل لا يحمل صفة “الكادر الإغترابي المميز” في حالات عدة.

إلا أنّ مناخ المنظمين القريبين من باسيل يقول “بأن الحضور الى المؤتمر سيكون كثيفا، وسيتجاوز الألف، ومن ضمنه أسماء لامعة معروفة عالميا في القطاعات المختلفة”.

لا يتقاسم كثر من “أهل بسترس” هذا القول، ويقول احد أعضاء هذه اللجان لـ”السفير” طالبا عدم الكشف عن إسمه ان ما تسلّمناه من الأسماء لا تنطبق عليه مواصفات “كادرات نوعية” وهو لا يرقى الى عدد الـ16 مليون مغترب لبناني الذي يتحدث عنه وزير الخارجية، إلا إذا كان ثمّة أسماء أخرى يحتفظ بها المستشارون من دون إطلاعنا عليها”.

وتعتبر البرازيل والأرجنتين أهم بلدين إغترابيين بالإضافة إلى إفريقيا لكن الحضور الإغترابي من هذه البلدان ليس كبيرا قياسا بحجم الإغتراب الموجود فيها، بحسب المصدر نفسه.

باسيل يتصل بـ240 مغتربا!

ويتأفف السفراء في الخارج من قيام باسيل بالإتصال مباشرة ببعض المغتربين من أصدقائه متجاوزا السفراء في هذه البلدان، ويقول أحد السفراء لـ”السفير” بأنّ السفير “هو موفد شخصي لرئيس الجمهورية ولا يحّل أحد مكانه أو يتجاوزه في بلد اعتماده، وهو مسؤول عن السفارة وسياستها بإشراف وزارة الخارجية على أساس ما يرد في البيان الوزاري لجهة السياسة الخارجية. وثمة تعجب من قيام الوزير باسيل بتجاوز السفراء، لكنّ المحزن أن مستشاري الوزير يتجاوزون السفارات بدورهم ويتصلون مباشرة بالمغتربين أيضا من دون أخذ رأي السفراء بهم وبمناقبيتهم”.

تجيب المصادر التنظيمية في فريق وزير الخارجية على هذا القول قائلة بأن المهمّ هو المؤتمر ولا أهمية لمن يتصل بمن، “فالوزير باسيل يقول بعمل صعب ولا يتوانى عن الإتصال شخصيا بمغتربين تعرف إليهم خلال أسفاره لحثّهم على المشاركة، وبعض هؤلاء غير معروفين من بعض السفراء”. ويكشف بأنّ باسيل “اتصل بـ240 شخصية إغترابية لدعوتها الى المؤتمر”.

القطاع الخاص أم الوزارة؟

وعن التفاصيل التنظيمية للمؤتمر، تتساءل أوساط ديبلوماسية عن الشركات المختارة للتنظيم وهل هي التي ستتحكم بمرود المؤتمر الذي لديه رعاة وإعلانات واشتراكات، ولماذا دفعت وزارة الخارجية التكلفة إذن؟ ومن سيتقاضى مردود الإعلانات وسواها؟

وتسأل الأوساط “لماذا لم يتمّ استدراج عروض والشركة التي تربح هي التي تتولى التنظيم بحسب المعايير التي تحددها الوزارة؟ ثمّ لماذا لم تنظّم الوزارة المؤتمر من ألفه الى يائه”؟

سيل الأسئلة لا ينضب:”ما الذي سيبقى من تمويل استحقاقات الوزارة المختلفة بعد استنزاف موازنتها بسبب أسفار الوزير ومستشاريه التي لا تنتهي؟”.

مصادر الوزير باسيل ترفض هذا القول مشيرة الى أن “الوزارة هي التي تنظّم هذا المؤتمر وهي المظلة السياسية والتنظيمية له، لكنها تحتاج الى شركات متخصصة لأن طاقم عمل الوزارة لا يمكنه القيام بجميع المهام، من استقبال الناس في مطار بيروت الدولي، الى حجوزات الفنادق، وصالات الإجتماعات وتنظيم الإحتفال الضخم والترجمة لشخصيات لبنانية تأتي من 50 دولة وتتحدّث بلغات عدّة”.

وعن تمويل الوزارة قال المصدر بأنّ الوزارة لم تطلب بعد فتح أي اعتماد من مجلس الوزراء، مشيرا الى أن التكلفة الإجمالية تبلغ حوالي الـ700 ألف دولار أميركي سوف يتم تغطيتها من قبل رعاة المؤتمر أي Sponsorsوبينهم مصارف لبنانية. ويشير المصدر المقرب من باسيل الى أنّه “لا مردود ماديا للمؤتمر بل ربما يتعرض لخسائر كما حدث في العام الماضي، لكنّ الأهم هو أن المؤتمر يشكل فرصة فريدة للبنانيين للقاء الآلاف من أبرز اللاعبين الإغترابيين في بلاد الإغتراب”. ويلفت الانتباه الى أن “الوزير باسيل يرفض أن يدفع هؤلاء أية مبالغ ويكفي أن يعلم هؤلاء بأن لبنان يفتخر بهم وبإنجازاتهم”.

الأمين العام.. معتكف

عملية “تفعيل الحنان للبنان” كما يسميها أحد مستشاري باسيل لا تقنع “سكان بسترس” من الديبلوماسيين الذين يعبرون في جلساتهم الخاصّة عن هواجس عدّة، ويكشفون عن نفور من بعض أعضاء فريق عمل الوزير وبعض مستشاريه ويحكون “عن تجاوزات لدورهم وللسلك الخارجي ولأصول  التعامل معهم”. كيف ذلك؟

يقول أحدهم أن المستشارين (فئة ثانية) قرروا بمعظمهم مقاطعة الإجتماعات المعنية بالمؤتمر الإغترابي، وخصوصا وأنّ الدعوة إليها تأتي من إحدى مستشارات الوزير التي لا تتوانى عن توجيه الدعوات والتوجيهات للديبلوماسيين في حين أنها من خارج ملاك الوزارة وليس لها أية صفة إدارية.

ويقول أحد الديبلوماسيين:”ايّة دعوة لنا يجب أن تتمّ عبر أمين عام وزارة الخارجية، لكن يبدو بأنّ الأمين العام (السفير وفيق رحيمي) معتكف يراقب ما يدور حوله بصمت ولا يريد الدخول في هذه المعمعة”.

هذه الوقائع، تولّد “طاقة إحباط” لدى “سكّان بسترس” من الديبلوماسيين وكذلك لدى نظرائهم في الخارج “ولا يتوانى هؤلاء عن الحديث عن تجاوز للأصول القانونية وعدم وضوح الجدوى في هذا المؤتمر ويتحدثون عن خوف من فشل هذا المؤتمر بالشكل الذي ينظّم فيه ما سينعكس على دور الوزارة في أداء مهاّمها مستقبلا”.

لون طائفيّ واحد

الهمسات كثيرة وتصل حدّ التساؤل عن المتكلمين في المؤتمر، ويقول أحد المشاركين في التنظيم “إنّ كل الجهات غير العونية لم يتمّ التعاون معها في القطاعات، أما المسلمين فوجودهم نادر في اللجان المعنية وإن وجدوا تكون أسماؤهم من النقابات المعنية وليس من الوزارة”.

أما الشخصيات النقابية والشركات فكلها تدور في الفلك العوني وحضور المسلمين شبه مغيب ما يخلق جوّ استياء غير مسبوق.

وفي النهاية، فإن “قصر بسترس” إمتلأ من “الطاقة السلبية” التي فجّرها باسيل وفريقه عبر محاولة إنشاء فريق عمل رديف “لأهل البيت” من السفراء والمستشارين والموظفين الأصيلين للوزارة الذين يحملون همّ فشلها واستمراريتها في حين أنّ “من يديرون الدفّة اليوم ليسوا سوى أشخاص يمرون فيها مؤقتا ولا يربطهم بالوزارة إلا بضعة مصالح وعطش لا يرتوي الى السلطة” بحسب تعبيرهم.