في الشكل يمثل الإعلان عن توصل الولايات المتحدة وروسيا الى اتفاق لوقف النار في سوريا في غضون أسبوع حدثا مهماً، وفي الجوهر ينتظر هذا الاتفاق – على ما أعلن وزير خارجية فرنسا الجديد جان مارك آيرو – تنفيذا جديا لئلّا يبقى حبرا على ورق، خصوصاً أن تفاصيل الاتفاق الاميركي – الروسي لا تزال مبهمة الى حد بعيد، على خلفية ان روسيا ومعها إيران وبشار الأسد يتحدثون عن قرب حصول “اختراق ” جدي في ميدان المعركة، لا سيما في حلب التي تحدث عنها الأسد البارحة مؤكدا ان الهجوم عليها سوف يحصل، مما يعزز الشكوك في مآل أي اتفاق لوقف عاجلٍ للنار، فضلا عن أن أي اتفاق من هذا النوع قد لا يصمد كثيرا حتى لو طُبِّق، وسط رهان طرف أساسي في الحرب على الحسم العسكري. في المقابل لا تغيب الشكوك الكبيرة في الموقف الفعلي للولايات المتحدة والذي أدى في ما أدى على مر الأعوام الخمسة الأخيرة الى منع نظام بشار الاسد من السقوط، والإفساح في المجال أمام إيران لكي تدخل حرباً كاملة الاوصاف ضد المعارضة السورية، وأخيرا وليس آخرا أدت سياسات الادارة الاميركية الحالية الى تعبيد الطريق امام روسيا لتتدخل عسكريا في الشكل الحاصل اليوم، بكل ما يحمل من نتائج دراماتيكية على الصعيد الانساني. طبعا ليس من مصلحة بشار الأسد التوصل الى اتفاق لوقف النار في سوريا، لأنه يمهد للعودة الى طاولة المفاوضات التي تقوم على أساس الحكم الانتقالي، وهو مدخل إلى تغيير النظام وبداية لرحيله عن الحكم.
وبما أن الاتفاق على وقف النار في سوريا يستثني كلاً من تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” وعدداً من التنظيمات التي تصنفها روسيا “ارهابية”، فإنه اتفاق فضفاض الى حد بعيد ومعرض للسقوط بسهولة. فإذا كان هناك إجماع على تصنيف “داعش ” تنظيماً إرهابياً وجبت محاربته بلا هوادة، فإن الأمر نفسه لا ينطبق على “جبهة النصرة” بالرغم من ارتباطها في مكان ما بتنظيم “القاعدة”، باعتبار أنها تضم غالبية عظمى من السوريين بين عناصرها، وتعمل في العديد من الجبهات بتنسيق مع العديد من الفصائل المعارضة القريبة من الدول الداعمة للمعارضة ككل. والنتيجة لا اجماع على تصنيف “جبهة النصرة” إرهابية، ولا على العديد من الفصائل مثل “احرار الشام ” وغيرها من القوى الأساسية في المعارضة المسلحة التي تصنفها موسكو “ارهابية” لتبرير مهاجمتها دعماً للنظام، وللميليشيات الإيرانية الطائفية العاملة في سوريا. ان نجاح وقف النار في سوريا يحتاج الى توحيد لائحة التنظيمات “الإرهابية ” للحؤول دون الخلط بين فصائل معارضة وتنظيم “داعش”، ولئلا يسقط وقف النار بأعذار كالتي تقدمها اليوم روسيا وحلفاؤها في الميدان.
إن الأزمة السورية طويلة ومعقدة، و قد لا تبقى في اطارها الحالي، فمواصلة روسيا حربها المفتوحة ستعجل في تدخل الدول الإقليمية المعنية لتحقيق توازن على الأرض، خصوصا ان الغائب الاكبر يبقى الولايات المتحدة الضعيفة بفعل سياسات الرئيس باراك اوباما، والتي تبدد يوما بعد يوم ثقة حلفائها بها.