مع انتهاء عطلة عيد الفطر، يتطلع اللبنانيون عموماً الى ما ستكون عليه الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، والجميع يأمل ان تعاود الحياة السياسية زخمها وعلى مختلف الأصعدة، خصوصاً وأن لبنان شهد قبل الفطر دينامية لافتة وغير مسبوقة، سواء بالنسبة الى انجاز قانون الانتخابات النيابية الجديد، أم بالنسبة للقاء بعبدا وما صدر عنه من «وثيقة» اعتبرت في نظر عديدين خارطة عمل الحكومات للمرحلة المقبلة على المستويات السياسية والاقتصادية والانمائية والمعيشية والأمنية كافة..
العطلة لازالت سارية المفعول فلم ينعقد مجلس الوزراء أمس، وذلك لوجود رئيس الحكومة سعد الحريري ووزراء عديدين خارج لبنان.. ورئيس مجلس النواب يتوقع، او يأمل، عقد جلسة نيابية بين العاشر والخامس عشر من تموز المقبل.. وعلى جدول الأعمال سائر البنود التي كانت على جدول أعمال الجلسة السابقة التي أقر فيها قانون الانتخاب، ومن أبرز الموضوعات، الموازنة العامة، وسلسلة الرتب والرواتب، حيث من المفترض ان يكون ذلك إشارة لاطلاق ورشة عمل فعلية تقلب الصورة من «حكومة اجراء الانتخابات النيابية» الى «حكومة العهد الأولى»؟! حيث «التسويات تصنع المعجزات» على ما تقول مصادر مقربة من الرئيس الحريري.
ليس من شك في ان لقاء الافرقاء الممثلين في «حكومة اعادة الثقة» في القصر الجمهوري في بعبدا، يوم ١٧ الجاري، والاتفاق على البيان – الوثيقة الذي صدر عن هذا اللقاء، شكل في قناعة الجميع «خريطة طريق» المرحلة المقبلة.. وذلك على رغم ما تعرضت له هذه «الوثيقة» من ملاحظات، و»طعنات» في الصدر والظهر، من خلال بعض مواقف الافرقاء المؤثرين من التطورات الاقليمية وارتفاع حدّة الخطاب السلبي ضد العديد من دول الخليج، وبالتحديد المملكة العربية السعودية.. وهي «الوثيقة» التي شكلت أرضية صالحة لاستنهاض الدولة، واعادة الحياة الى سائر المؤسسات وتلبية حاجات الناس الى الضرورات التي باتت تبيح المحظورات إن لم يعمل على انجازها، وتحديداً على المستوى المعيشي والاجتماعي والبيئي والصحي وخلافه. فالعبرة ليست في ما ورد على الورق، بل في التنفيذ.. لاسيما وأن أفرقاء كثر أعربوا عن تحفظاتهم ازاء بعض البنود.. اضافة الى «المعارضة» التي تنتظر على الكوع..
يرى عديدون ان الكرة هي في ملعب «أهل الحل والعقد» في السلطة وهم وحدهم قادرون على تنظيم التباينات والاختلاف في وجهات النظر، وبالتالي حل المشاكل وتنظيمها بما لا يعطل عمل الحكومة ولا مجلس النواب.. وان هذه المسؤولية تستدعي اعطاء الأولوية في الاهتمامات للداخل اللبناني، وذلك على الرغم من قناعة غير فريق بأن لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطها.. فترتيب البيت الداخلي وتوفير كامل شروط الحفاظ على الأمن والاستقرار، ناهيك بحل الأزمات المعيشية المتزايدة، وسائر الخدمات الضرورية شروط أساسية لقطع الطريق على أية محاولة للاستثمار على السلبيات خدمة لمشاريع خارجية.. خصوصاً أكثر ان الاستثمار في الايجابيات أقل كلفة وضرراً وأكثر احتضاناً شعبياً بدليل ما حصل بعد ملء الشغور الرئاسي الذي امتد لنحو سنتين ونصف تقريباً، وتشكيل «حكومة اعادة الثقة» وبالتالي انجاز قانون الانتخاب الجديد..
يقر الجميع، ان «التوافق» شرط ضروري وأساسي لتحصين الوضع الداخلي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً وأمنياً.. لاسيما وأن المسألة الأمنية، سواء على الصعيد الفردي او الجماعي، أخذت تحتل أولوية لافتة وتشكل قلقاً متزايداً لدى اللبنانيين كافة، وفي سائر المناطق، حيث تتراجع هيبة الدولة أمام السلاح المتفلت من أي ضوابط، وتزداد الجرائم يوماً بعد يوم، ولا تملك السلطات المعنية سوى التعبير عن الادانات ورفض ما هو حاصل..
هناك من يرمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يتطلع الى ان يكون عهده ليس كسائر العهود التي سبقته، وهي «الرئيس القوي» الذي أخذ على عاتقه مسؤولية انجاز ما لم يكن من الممكن انجازه سابقاً.. وهو، وإن حقق في عهده، انجاز قانون الانتخابات الجديد القائم على النسبية الكاملة والدوائر الـ١٥، إلا أنه لايزال يرى ان الطريق الى ما يريد لازالت في أولها، فكانت مبادرة الدعوة الى لقاء بعبدا لتزخيم عمل الدولة، وتحديداً مجلس النواب والوزراء، وسائر المؤسسات التي عليها ان تضاعف جهودها لتحقق في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية في ايار ٢٠١٨ انجازات متقدمة على مستوى الأمن والاقتصاد والانماء المتوازن، من ضمن «وثيقة بعبدا» التي هي بنظر البعض أشبه ما تكون بـ»البيان الوزاري رقم ٢»..
لا يخفي الرئيس عون قلقه، وهو يرى ان المرحلة الآتية هي مرحلة عمل لا فترة مراوحة وترقب وانتظار.. تضيع معها فرصة قد لا تتكرر بسهولة من عمر «العهد العوني»، وذلك على الرغم من ان جهود الافرقاء كافة منصبة على التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، وكل همها ان تحافظ على موقعها وحجمها بأقل الخسائر او الأضرار الممكنة..
صحيح ان المسألة ليست على هذا القدر من السهولة، والتطورات في المحيط الاقليمي لم تعد تنأى بنفسها عن الداخل اللبناني، رغم الاحتياطات الأمنية التي حقق فيها الجيش بالتعاون والتنسيق التام مع سائر الأجهزة الأمنية نجاحات لافتة، قد تضعف اذا لم يعد أفرقاء معنيون الى رشدهم، باعادة النظر في العديد من المواقف التي تترك تداعيات سلبية لا يمكن ادارة الظهر لها، في الداخل اللبناني، الذي لا يحتمل خضات من هذا النوع، على رغم الحرص الدولي على أمن واستقرار لبنان؟!