تتفاوت المعلومات والتوقعات حول امكانية حل الاشكاليات العالقة بين الرئاستين الاولى والثانية، وما اذا كانت الايام المقبلة ستكون معبراً صالحاً لاصحاب المبادرات العاملين على خط بعبدا – عين التينة؟!
لا يرى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سبباً للتراجع عن مواقفه، خصوصاً لجهة «مرسوم الاقدمية».. ولا رئيس مجلس النواب نبيه بري – الذي غادر الى طهران أمس – في هذا الوارد.. «وكل يغني على ليلاه» (؟!) والعاملون على خط الوساطة يعلنون «ان أي حل، او مشروع حل لا يعني كسر كلمة أحد..». خصوصاً وأن في قراءة بعض هؤلاء العاملين على خط التسوية، فإن «الموضوع تقني.. ولا يجوز ان يؤدي الى تشنج سياسي»، بخلاف ما قاله المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أمام وفد نقابة الصحافة، الاسبوع الماضي «ان الخلاف سياسي لا تقني..» لاسيما وان التحضير للانتخابات النيابية بدأ يسلك طريقة بحرارة لافتة، في العديد من المناطق، خصوصاً تلك التي يتطلع «التيار الوطني الحر» الى استعادة دوره المؤثر النافذ فيها، وليكون «رقماً صعباً» في أي معادلة او تحالف انتخابي ممكن.
يتحصن الرئيس العماد عون بصلاحياته الرئاسية، وهو في غير وارد المساومة عليها.. وما ينأى بنفسه عن قوله علناً، يقوله نيابة عنه صهره رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل الذي «يصول ويجول» في العديد من المناطق اللبنانية، تهيئة للانتخابات.. وخلاصته ما قاله في إحدى زياراته العكارية (أول من أمس) ان «المنزعجين من عودة الشراكة، ومن الاصلاح الانتخابي، يعبرون عن انزعاجهم بطرق مختلفة.. بعد استعادتنا دورنا في رئاسة الجمهورية وفي الحكومة ونسعى لذلك في المجلس النيابي عبر الانتخابات النيابية وفق القانون الجديد تمهيداً لاستعادة حضوررنا في الادارة العامة..» وفي المقابل، يتحصن الرئيس بري بمواقفه وبموقعه، ازاء مرسوم الاقدمية، ازاء مرسوم، تماماً كما ازاء قانون الانتخاب، وهو يتمسك باجراء الانتخابات في موعدها «شاء من شاء وأبى من أبى» ولا يقيم اعتباراً للمطالبين بالتعديل ولو في حرف واحد..»؟!
لم يعد سراً ان ما آلت اليه الاوضاع في لبنان، بات يشكل قلقاً ليس للبنانيين في غالبيتهم الساحقة فقط، وإنما للعديد من دول الخارج، التي تتابع عبر ممثليها الديبلوماسيين لحظة بلحظة مجرى التطورات وما يمكن ان تصل اليه وما يجب تجنبه حتى لا يقع لبنان في الفخ مع تنامي التهديدات الاسرائيلية، التي بلغت ذروتها، قبل ساعات قليلة من انفجار صيدا، ظهر أول من أمس، باعلان قيادات اسرائيلية انها «ستعيد لبنان الى العصر الحجري..»؟!
يتحضر الرئيس عون اليوم وغداً لاستقبال أعضاء السلك الديبلوماسي والقنصلي كما ولحضور القمة العربية المرتقبة بعد أشهر قليلة.. وهو يجري العديد من المشاورات لصياغة كلمته في القمة.. كما ويتحضر لزيارة نائب الرئيس الاميركي مايك بنس الى المنطقة بعد أيام قليلة، ولبنان لايزال يتعرض لضغوطات لن تكون سهلة عبر بوابة الضغط الاميركي على «حزب الله» من باب تجارة المخدرات، هذه المرة.. ومن بوابة «وعد ترامب» الاعتراف بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل» وما رافقها من ردود أفعال غاضبة وانتفاضات لم تتوقف بعد..
والذي يلتقون الرئيس عون هذه الأيام يكتشفون مدى متابعته التطورات المؤلمة على الساحة العربية، التي تشهد برأيه «انقسامات وحروب داخلية غير مسبوقة على هذا النحو..» وهو يرى ان المستفيد الوحيد مما يجري، ومن الانقسامات الحاصلة ومن «حروب الاخوة الاعدا» هي أميركا و»إسرائيل».. وهو لا يرى مخرجاً من هذه المحنة سوى الوفاق السياسي بين الدول العربية» عبر الحوار، والجلوس معاً الى طاولة حوار.. «وهذا ما دعونا اليه في مؤتمر القمة العربية السنة الماضية، فتحدثت صراحة عن هدر المال العام والمستقبل.. إذ لا يجوز ان يستمر التقاتل بين هذه الدول والذي أدى الى احتراقها، في شكل او آخر، ان كان اقتصاديا او بشريا او لناحية الدمار الذي وقع في معظمها والذي يجعلها رهينة لعشرات السنين..»؟!
يأخذ البعض هذا الكلام لرئيس الجمهورية، ويتساءل لماذا لا يستنسخ في الداخل اللبناني، وكل فريق يدير ظهره الى الآخر.. ولقد كانت لافتة دعوة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد – بعد لقائه الرئيس عون في القصر الجمهوري قبل ذلك، وعنوانها المركزي: «يا معلم أين تقيم» ليخلص الى القول «ان الحوار حاجة الحياة في العائلة والمجتمع والدولة.. الحوار جسر بين الاشخاص (الافرقاء)، لا يمكن هدمه او اقفاله، لئلا يتسبب بالقطيعة والانقسام وتعطيل آليات الخير العام.. وهذا ما يجري عندنا بكل آسف على مستوى الجماعات السياسية، فلا يجرؤ المسؤولون السياسيون على الجلوس معاً وجها لوجه والتحاور بصدق وثقة.. أصاغر الامور عندهم تكبر وتتعاظم، وتحمل تفسيرات وابعاداً غير واقعية، وقد تنطوي على نيات وخلفيات سياسية..».
لا أحد ينكر ان ما آلت اليه الاوضاع في لبنان، يثير القلق والخوف على جميع الاصعدة، وهي لم تأتِ من فراغ.. بل نتيجة تراكمات لم تكن الطبقة السياسية – المالية بعيدة عنها.. والانتخابات النيابية فرصة ليعيد اللبنانيون النظر بكل حساباتهم ومواقفهم، والبعدد بفتح صفحة جديدة تخرجهم من سموم الطائفية والمذهبية والفئوية والشخصانية.. وما الى ذلك؟!