«مصالح مشتركة أم إعادة تنظيم التحالفات السياسية الراكدة؟»
تقرير بحثي صُوِّر في واشنطن مؤخراً يتحدث عن ازدياد مخاوف حزب الله من الروابط المتنامية بين التيار العوني و«المستقبل»
يوماً إثر آخر، يُثْبت الوئام في الحكم بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري أنه الوصفة الأكثر تطوراً لنجاح العهد، رغم كل التربّص السياسي الذي يحيط بهذه العلاقة التي بدأت خفراً وخجلاً في العام 2009، لتتحوّل إستثنائية ومحورية في العام 2016.
لا ريب أن الرجلين إستغرقا وقتا طويلا كي يطبّعا العلاقة الشخصية والسياسية بينهما، لكن المطّلعين عن قرب على ما يجمعهما راهنا يجزمون بأن هذا الوقت الطويل ربما كان سببا إضافيا في إنضاج علاقتهما وتصليبها. وليس سرا ما يقوله عون في الحريري في مجالسه الخاصة كما في لقاءاته السياسية، وخصوصا مع المسؤولين السعوديين. في المقابل يجزم رئيس الحكومة أن أحدا لن يستطيع أن يدخل بينه وبين رئيس الجمهورية، وأنه حريص على ثبات ما بات يجمعهما بصرف النظر عن أي حسابات سياسية او شخصية.
مردّ ثبات هذه العلاقة الرئاسية أن الرجلين مقتنعان بجدواها وبقدرتها على تحقيق ما يطمحان الى تحقيقه على مستوى الإصلاح الإداري وتحديث بنى الدولة وتطويرها ووضع ملف النفط والغاز في المسار الصحيح بما يؤمن مخزونا إقتصاديا – إجتماعيا إستراتيجيا للعقود الثلاثة المقبلة. والأهم من كل ذلك أن عون والحريري يدركان كثرة المتضررين من تفاهمهما، سياسياً وشخصياً، لذا يحرصان بإستمرار على تحصين هذا التفاهم وتذليل أي عقبات أو ثغرات أو خلافات قد تؤثر فيه.
وبات ما سمّي في واشنطن، على سبيل المثال، «الإنفراج المسيحي – السني»، بفعل الوئام بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، محط متابعة في الأوساط المعنية بشؤون المنطقة كما في مراكز الأبحاث والدراسات، نظرا الى ان التيار الوطني الحر استطاع، في آن، نسج علاقة تحالف مع الفريقين السني (تيار المستقبل) والشيعي (حزب الله)، وهو أمر مدار تدقيق أميركي نظرا الى أن التيار نجح في مسعاه، رغم ضيق الهامش السياسي في هذا السياق، تماما كما العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والتي هي الأخرى محط تداول ونقاش، تأسيساً على ما حققته من تحوّل جذري على مستوى الجماعة المسيحية.
في هذا الإطار، يتحدث تقرير بحثي صادر في واشنطن عن «إزدياد في مخاوف حزب الله بسبب الروابط المتنامية بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. فحين كان عون يتولى منصب رئيس التيار في شباط 2006، وقّع مذكرة تفاهم وحّدت الصفوف بين تياره وحزب الله. لكن حين انتُخب رئيساً في العام الماضي، تلقى عون دعماً أقل ما يقال عنه أنه بارد من حزب الله. وتماشياً مع المذكرة، واصل عون الدفاع عن امتلاك الحزب لأسلحة خارج سيطرة الدولة وعن أجندة «مقاومته» لإسرائيل. لكن في مسائل أخرى، قد لا يتمكن الحزب من الاعتماد على الجنرال (…). فعلى سبيل المثال، يُقال إنه خيب آمال هذه الميليشيا باختياره قائد الجيش اللبناني والكثير غيره من كبار المسؤولين في الجيش، بمن فيهم رئيس الاستخبارات العسكرية».
يضيف التقرير: «في غضون ذلك، جاء انتخاب عون بموافقة زعيم تيار المستقبل رغم التناحر الطويل الأمد بين حزبيهما. ويتردد أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يقيم علاقة عمل وثيقة مع مستشار زعيم تيار المستقبل نادر الحريري، كما يظهر من مشاوراتهما اليومية، والعطل المشتركة لعائلتيهما، والتنسيق الكبير بينهما بشأن قانون الانتخابات (…). ويبقى علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كان هذا الانفراج سيستمر – وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كان سيساهم في تعزيز المصالح المشتركة أو إعادة تنظيم التحالفات السياسية الراكدة».
ويشير التقرير الى «تطور آخر مثير للاهتمام في تقارب عون الواضح من خصمه السابق قائد الحزب المسيحي القوات اللبنانية سمير جعجع (…) مما عزّز احتمالات وجود كتلة مسيحية أكثر توحداً في الانتخابات النيابية المقبلة. ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان هذا القبول عبارة عن تغيير استراتيجي طويل الأمد أو خطوة تكتيكية مؤقتة في نزاعه مع باسيل من أجل أن يخلف الرئيس الثمانينيّ (…)».