هل لعبت الدبلوماسيّة اللبنانية، وكذلك الإقليمية والدولية، دورها المنوط بها في حرب تموز 2006 في منحى إيقاف الحرب والحدّ من أضرارها ومخاطرها، ومعاقبة المعتدي والحفاظ على السلم والأمن ودرء الأخطار عن البلد المعتدى عليه وهو لبنان في حرب تموز، أو أنها كانت دبلوماسية منحازة للعدوان، تبرره وتساعده في تنفيذ أهدافه؟
لا يعقل أن تذهب دولة إلى الحرب دون أن تضمن شكلاً من أشكال الدعم الدبلوماسي لها، وقد توفر هذا الدعم للعدو الصهيوني بشكل صريح من قبل الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية قبل العدوان، وخلاله، وبعده.
في المقابل، وجد لبنان نفسه في حرب دبلوماسية ساهمت بعض القوى اللبنانية الداخلية، في إدارتها الدبلوماسية في فرض نوع من التسليم بأهداف العدو من العدوان على لبنان في اللحظات الأولى لبداية الحرب واستمر هذا الوضع حتى نهايتها بطريقة يُستدلّ عليها من الوقائع والمواقف التي رافقت هذه الحرب العدوانية في جانبها الدبلوماسي.
نعرف أن مجلس الوزراء اللبناني كان منقسماً على نفسه بين تيارين، أرغب في إطلاق تسمية الدبلوماسية المقاومة والدبلوماسية المساومة، ولا أريد أن أبخس أحداً حقه، ولا أضعه في موقع الادعاء دون تقديم الدليل المستفاد من تحليل المواقف السياسية، والحراك الدبلوماسي في زمن الحرب.
كان التيار الذي يقوده رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة يجمع حوله فريقاً من الوزراء، يعبر في حركته السياسية عن دبلوماسية مساومة.
عمدت الدبلوماسية المساومة منذ اليوم الأول للحرب وفي الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، إلى الكشف عن استعدادها للمساومة على حق لبنان في مقاومة العدوان، وإلى خضوع غير مبرر من الناحية العسكرية والسياسية في القبول المتسرع لشروط العدو التي تتلخص في فرض تنفيذ أهدافه كاملة منذ بداية الحرب وكان ذلك صريحاً في مجريات جلسات مجلس الوزراء والمجالس الوزارية ذات الصلة وخلافاً للسرد الروائي المعتمد سأعتمد قاعدة النقاط وذلك لإثبات الدليل:
1) عدم مسؤولية الحكومة اللبنانية عن الحرب وعدم معرفتها بها وإلقاء اللوم على المقاومة واعتبارها من بادر إلى فتح جبهة الحرب بالعملية البطولية التي أدت إلى أسر جنود العدو دون الالتفات إلى أن هذه العملية تأتي في سياق العمل المقاوم لتحرير الأسرى، وأنها تعبر عن حق لبنان في تحرير أسراه وهي محدودة في الزمان والمكان والهدف المباشر لها والمرتبط بتحرير الأسرى من سجون العدو.
2) تركيز هذا الفريق الحكومي على أن حزب الله تجاوز الخط الأزرق ودخل إلى حدود دولة أخرى وأن هذا الأمر يعتبر اعتداءً على أراضي دولة أخرى في عرف الدبلوماسية الدولية.
3) الإصرار على تسليم الأسرى من جنود العدو إلى الحكومة اللبنانية، وهو هدف مباشر ومعلن من أهداف العدوان دون ربطه بوقف العدوان وتبادل الأسرى بواسطة طرف دولي ثالث.
4) التهديد بأن الحرب ستكون مكلفة ومدمّرة، وإطلاق مواقف من نوع لا قدرة لنا على الحرب، وهذه إسرائيل القوية، وأن لبنان في خطر شديد وأنه لا قدرة له على المقاومة، ولا على مواجهة مخاطر الحرب وتكاليفها.
5) الانطلاق من إعلان نتائج الحرب لصالح العدو والحرب لا تزال في بدايتها، والبناء على هذه النتائج لتحديد طبيعة العمل الدبلوماسي والقول إن الشروط الأميركية والأوروبية تساند إسرائيل وأن لا قدرة لنا على مقاومة العدو المؤيد من هذه الدول وعليه لا إمكانية سوى قبول الشروط المطروحة علينا، والتي أبلغت لنا في الاتصالات الدولية، وهي شروط العدو ومن أهداف العدوان الأساسية بشكل صريح. لكن كيف لنا مقاومة إسرائيل ومعها كل دول العالم.
6) إظهار الوضع العربي بدوره متكافلاً مع الوضع الدولي، وأن العرب يضغطون على لبنان بدورهم. وأن مؤتمر وزراء الخارجية العرب سيخرج بقرارات تؤيد دبلوماسية المساومة والقبول بشروط العدو، لإيقاف الحرب المدمرة. وفيه استخدام التهويل للوصول إلى القبول بكل الشروط المطروحة.
7) عدم إعارة الاهتمام في العمل الدبلوماسي لميزان القوى العسكري في الميدان، لأن الفعل الدبلوماسي كان منفصلاً في عقل دبلوماسية المساومة عن الانتصارات العسكرية التي تحققها المقاومة في الميدان والتي يلزم أن تحدد طبيعة العمل الدبلوماسي.
8) التلويح بالخلاف الداخلي وأننا لسنا طرفاً واحداً في تقدير ظروف الحرب ونتائجها وأن هذا الخلاف سيكون محل إدارة مختلفة للفعل الدبلوماسي اللبناني.
النقطة الثامنة على أهمية بالغة، لأنه منها انطلق مفهوم الدبلوماسية المقاومة في وجه الدبلوماسية المساومة في هذه المقالة وكان ذلك واضحاً منذ الجلسة الأولى لمجلس الوزراء. والتي وفقنا في موقف يجمع بين أمرين:
1- الأول أخذ الأمر الدبلوماسي بيدنا على قاعدة يا يحيى خذ الكتاب بقوة ومفاده أن المقاومة تقود الحرب العسكرية والحرب الدبلوماسية على السواء، وعليه فقد تشكلت الإدارة الدبلوماسية للحرب بعد رسالة وجهها سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله لدولة الرئيس نبيه بري أوكل له فيها إدارة المفاوضات الدبلوماسية في ثنائية عملت بأسلوب فعّال في تحقيق نتائج تتفق على المستوى الدبلوماسي مع الوقائع الميدانية للحرب والانتصارات التي تحققها المقاومة في الميدان.
توزع فريق عملنا الدبلوماسي بإدارة ثلاثية قوامها سماحة الأمين العام يساعده الأخ الحاج حسين خليل ودولة الرئيس نبيه بري يساعده معالي الوزير علي حسن خليل، وفريقنا الوزاري، ينسق في ما بينه معالي الوزير الحاج محمد فنيش الذي تميز بإيضاح المواقف والرد على الآخرين بصراحة وقوة وبلاغة تحقق المراد.
كانت هذه الإدارة الدبلوماسية المقاومة فعّالة بطريقة مميزة في إدارة العقل الدبلوماسي وقد عملت بنشاط وفعالية وحكمة ودراية ينسق فيها سماحة الأمين العام لحزب الله مع دولة رئيس مجلس النواب ولا يهدأ فيها الخليلان مع فريق وزاري قوي ويقظ ومتضامن، وذلك من خلال ما يلي:
1) – رفض القبول بشروط العدو المباشرة أو الاستراتيجية للحرب يعني، من تسليم الجنود الأسرى حتى قيام نظام شرق أوسطي جديد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والعدو الصهيوني.
2) – الحفاظ على وحدة الموقف اللبناني، رغم المرارة في الخلاف وما يصاحبها من توترات سواء داخل مجلس الوزراء أو خارجه.
3) – التواصل مع الدول والمؤسسات الدولية والتفاوض من موقع أن لبنان معتدى عليه، وأن المطلب الأساسي إيقاف الحرب العدوانية ويليه تبادل الأسرى والعودة إلى الوضع الذي سبق عملية أسر الجنود.
4) – التأكيد أن العقل الدبلوماسي في الحرب يضع موازين القوى في ميدان الحرب نفسها.
5) – عدم قبول منطق أن لبنان لا يحتمل الحرب على قاعدة أن العدو يتأذى بدوره، وأن الانتصار في الحرب صبر ساعة.
- الاشتغال على تمييز الموقف الأوروبي عن الموقف الأميركي ومحاولة الاستفادة من تعدد القوى الدولية، لصالح دبلوماسية مقاومة وشجاعة، محنكة ومبادرة ومبدعة في إدراك لعبة العلاقات والمصالح الدولية.
- الاستفادة قدر الإمكان من الموقف العربي ومحاولة الضغط عليه ومواجهة رغبته في دعم قواعد دبلوماسية المساومة المشار إليها.
- الاستفادة من حركة الدبلوماسية الإسلامية، خاصة الحركة الدبلوماسية الإيرانية، وكذلك من حركة الدعم السوري الكامل على المستويات كافة، العسكرية والدبلوماسية والإنسانية.
- الحفاظ على الحوار الداخلي وقيادة دفة التفاوض اللبناني، سواء داخل الحكومة أو خارجها بحكمة ورويّة ومسؤولية وطنيّة عالية.
لقد صنعت المقاومة ميزاناً جديداً للقوى في حرب تموز واستطاعت دبلوماسية المقاومة أن تصل إلى المراد في حرب دبلوماسية كانت قساوتها تصاحب قساوة الحرب نفسها واستطاعت أن تحصد في الدبلوماسية ما زرعه رجال المقاومة في الميدان وتحمل العدو ومن معه من القوى الدولية على التراجع التدريجي ولكن المستمر حتى القبول بوقف إطلاق النار، في ظل هزيمة عسكرية صريحة للعدوان الصهيوني ما كان فريق دبلوماسية المساومة ليقتنع أو يقبل به بسهولة، ولذلك توترت أجواء مجلس الوزراء اللبناني في الجلسات الأخيرة التي تابعت المباحثات الدولية حول القرار 1701 وملحقاته في ما يشبه نكران الوقائع والعمل خلاف ما تقتضيه المسؤوليّة الوطنيّة في الأوقات الصعبة.
من ناحيتي، كنت أعرف أن الحقائق تصنع في وقائع الفعل الإنساني وأن الكلمة الأساسية في الحرب هي لميدانها، فيما يقوم صلاح الدبلوماسية على مواكبة تجليات الانتصار وترجمته إلى مكاسب سياسية متفقة مع مصاديق هذه الوقائع. تجليات تعبر عن نفسها في كشف الصور الحقيقية لميزان القوى العسكري في المعركة لا نكرانها وتزييفها… ذلك هو الفارق الشاسع بين دبلوماسية المقاومة ودبلوماسية المساومة.