IMLebanon

اشتباك التشريع لا يعجل الانتخاب

رغم ان الاشتباك السياسي الدائر حول التشريع ليس جديداً، فإن الوقوف عنده من وجهة النظر الدستورية مفروض، باعتبار ان ما يمكن ان يكون اليوم يشكل سابقة يبنى عليها في المستقبل ولو بعد حين.

فخلو سدة رئاسة الجمهورية لأي علة كانت، خاضع للمبدأ القانوني الثابت القائل باستمرارية المرفق العام، ولذلك عمد المشترع الدستوري إلى أخذ الحيطة للحؤول دون تعطيل هذه الاستمرارية، فوضع أحكاماً خاصة بما يتناسب مع كل «مرفق»، ونص في المادة 62 على الاحكام التي يمكن بواسطتها ضمان استمرارية سدة رئاسة الجمهورية.

ان أهمية استمرارية ممارسة صلاحيات الرئاسة لا تقتصر على احترام مبدأ الاستمرارية، انما هي ضمناً من أجل ان لا تصاب المؤسسات الأخرى بعدوى خلو السدة، خصوصاً ان النظام المعتمد في لبنان هو البرلماني الديموقراطي القائم على فصل السلطات، فإن تعطلت صلاحيات سلطة بعدم ظهورها تصاب السلطات الأخرى بالعدوى.

ولذلك يمكن القول إن لا مبرر لوضع المادة 62 ـ دستور إذا تجمدت مفاعيلها بتعطيل العمل بأحكامها، فكيف إذا كانت العدوى تصيب السلطة التشريعية بالتعطيل وتمنع ممارسة مجلس النواب لدوره في التشريع؟ وما يمكن قوله هنا هو ان تعطيل صلاحيات المجلس في التشريع ومصادرتها من قبل «خلو السدة»، لا يفيدان في انهاء الخلو ولا في تقريب موعده حتى للحظة واحدة، لا بل قد يكون العمل بالمادة 62 ـ دستور وسيلة حث لتسريع ملء خلو السدة إذا كانت «الغيرة» على موقع الرئاسة هي السبب، باعتبار انه عندها تكون كل المؤسسات تمارس صلاحياتها بالأصالة باستثناء رئاسة الجمهورية.

ومن الدفوع التي يستند إليها مجتــهدو تعطــيل صلاحــيات مجلس النواب التشريعية في ظل خلو سدة الرئاسة، مســألة الاكثريات المطلوبة لانتخاب الرئيس والاحكام التي تضبط جلسة أو جلسات الانتخاب.

وما يلفت في هذا المجال ان المشترع عمد دائماً إلى اعتبار ان التعديل في الأكثرية المطلوبة للفوز في أي انتخاب يجريه مجلس النواب، لا يمكن ان يكون إلا في الجلسة نفسها، فعندما لا تتوافر الأكثرية المطلوبة وتنتهي الجلسة بتلاوة محضرها تكون نتيجة الاقتراع الذي جرى ولم تتوافر فيه الأكثرية المطلوبة للفوز، قد انتهت هي أيضاً وكأنها لم تكن. وقد يكون هذا كافياً للقول ان استنهاض جلسة المجلس الأولى التي لم تحصل فيها الأكثرية المطلوبة لانتخاب الرئيس والانطلاق منها باحتسابها في جلسة الانتخاب التي يكتمل فيها النصاب غير ممكن وساقط قانوناً.

ولعل الأكثر دهشة في تبرير مصادرة صلاحيات المجلس التشريعية باسم خلو سدة الرئاسة اثارة المادة 75 ـ دستور لجهة نصها على اعتبار «المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية هيئة انتخابية لا هيئة تشريعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الجمهورية دون مناقشة أو أي عمل آخر».

ولان هذا النص لا يحتمل الكثير من الردود يمكن اختصار ذلك بأمرين: النص على «المجلس الملتئم»، فالشروع حالاً بانتخاب الرئيس ووفق الصلاحيات التشريعية لا يكون إلا في حالة الالتئام وليس في أي حالة سابقة. اما الأمر الثاني، وهو ما يمكن ان يكون ذا صلة بالأمر الأول، فهو النص على الشروع حالاً في الانتخاب. فالشروع يعني ان الجلسة تكون مكتملة النصاب، وفي مثل هذين الأمرين يتوقف المجلس عن ممارسة صلاحياته التشريعية. فهل يمكن القول ان هذا الشرط أو ذاك أو الاثنين معاً متوافران لمصادرة صلاحيات المجلس في التشريع؟