IMLebanon

لقاء قريب بين رئيس الجمهورية وفرنجيه برعاية نصرالله

ينكبّ رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري على استشارات التأليف مع النواب في المجلس النيابيّ، تتجسّد من نتائجها مراحل جديدة منها أننا وبحسب تأكيدات واضحة من مصادر عديدة أمام تأليف سريع للحكومة، ومنها أيضًا ان لبنان سيكون مختبرًا لمجموعة اختبارات غير محصورة بسلوكيات التجانس بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابيّ نبيه برّي، ورئيس الحكومة سعد الحريري، بل سيكون مختبرًا لتسوية جذريّة تترافق وتتزامن في الوقت عينه مع مطلاّت جديدة سيشهدها المشرق العربيّ وصولاً إلى الخليج، والمطلاّت مرهونة حتمًا بالظروف والعناصر والمعايير، بتداخل نوعيّ بين الميدان (حلب إدلب دير الزور الرقة…) والحلّ السياسيّ، مع بداية الكلام عليه.

لماذا لبنان انطلق نحو الاستقرار، ولماذا قد تكون التسوية الرئاسيّة المؤديّة إلى وجود العماد ميشال عون رئيسًا لجمهوريّة لبنان، وسعد الدين الحريري رئيسًا للحكومة ونجاحه العتيد في تأليف الحكومة منطلقًا لتلك التسوية الكبرى؟

لن يكون الجواب نظريًّا وفي الوقت عينه لن يتمّ الغوص في التاريخ القديم والمعاصر مسقَطا على الواقع الراهن والزعم للتأكيد أنّ لبنان كان ولا يزال محورا للالتقاء المصالح الدوليّة طورا بالاحتراب وتارة بالتسويات، فحين تضيق مساحات اللقاء أو تتوسّع يكون لبنان المرآة الفعليّة لانعكاس نتائجها على أرضه. من بعض المسلمات المطروحة للنقاش عند كثيرين، بأنّ استقرار المنطقة منوط باستقرار تظرية التجانس بين المكونات اللبنانيّة بقوّة المشاركة وفعل المناصفة. بعض من يساهمون في هذا النقاش يذهبون إلى القول انّ جوهر اللبننة تتكامل عناصرها بتعميم قوّة المشاركة ضمن أطر جديدة أولى شروطها مشروع حقيقيّ لقانون الانتخابات، وتميل المصادر نحو الاعتقاد بأنّ مطلع العام الجديد 2017 سيبصر النور قانون جديد، ولن يكون هجينًا. ويأتي هذا الاعتقاد متكاملاً مع ما يراه عدد من الخبراء الدستوريين بأنّ التزاوج في المشروع بين الأكثريّ والنسبويّ مضارّه ومخاطره كبرى وكثيرة وستتراكم شيئًا فشيئًا بأطر كميّة في صلب خصوصيّة العلاقة المرتقبة بين من ينتخبون على النسبيّة ومن ينتخبون وفقًا للقانون الأكثريّ، فهو سيكون مولودًا مسخًا وهجينًا، ويحوي مشروع خلل في قلب النظام السياسيّ، ولن تكون الدروب بعد ذلك مضمونة النتائج. المشروع الحقيقيّ للانتخابات ولو قد يتوشّح وشاح «اليوتوبيا»، يقوم على النسبيّة ولبنان دائرة واحدة. وإذا شئنا بعض التجزئة فإنّ النسبية المطلقة قادرة على التزاوج مع فلسفة الدوائر بأطر متوازنة ورصينة تحفظ حقوق الجميع.

لكنّ الشيء البليغ المفترض أن يتمّ تجسيده بفعل وصول لبنان إلى تلك التسوية الواقعيّة، هو خروج الأفرقاء اللبنانيين وبقناعة تامّة وجديرة بالانبلاج، إلى إرساء مفهوم جديد ضمن قانون الانتخابات وفي تفاصيل الحياة السياسيّة والاقتصاديّة والإداريّة وهو ترسيخ الطائفيّة المتوازنة بدلاً من الطائفيّة المتلاشية والفوضويّة السائدة كحقيقة مؤلمة منذ تسعينيّات القرن الماضي، ويأمل كثيرون أن تأتي المعالجة في هذا الإطار فعّالة بالجوهر الميثاقيّ المفترض أن يكون متكوّنًا في قانون الانتخابات، وقانون الانتخابات هو بدوره جوهر النظام السياسيّ وقلبه.

من المفترض إذًا ووفقًا للمعلومات الظاهرة، الإسراع في تأليف الحكومة، وتقول بعض المعلومات انّ أدبيات التأليف المعتمدة ما بين الفرقاء وإنصافًا للتسوية ستكون هادئة ورضينة وواقعيّة. عاملان أشّرا إلى فعل التسهيل:

1-العامل الأوّل خطاب القسم لرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، وقد أجمع الأقطاب والأفرقاء انّه قادر أن يكون جوهر البيان الوزاريّ وفلسفة نشوئه بدلاً من البحث عن تعابير ومصطلحات Terminologies ومفاهيم Concepts، قد تكون خلافيّة وتتحوّل إلى حجج تعطيليّة. الإجماع على خطاب القسم برؤاه ببيانه العميق وبهائه العريق، يسهّل المناقشة بعمقها السياسيّ ويفتح الآفاق نحو المعالجات الاقتصادية والاجتماعيّة والماليّة، تدخل مواصفاتها في قلب البيان. ومن الإيجابيّات الظاهرة أنّ ثمّة نورًا بدأ يبزغ في مسرى القطاع السياسيّ مع اقتراب موسم الأعياد، بسبب انتخاب رئيس للجمهوريّة وتعيين رئيس للحكومة والتسريع في التأليف. لقد أظهرت معلومات واضحة أن الحجوزات قد ارتفعت لموسمي الميلاد ورأس السنة بنسبة 50% حتّى كتابة هذه السطور، ويؤمل أن ترتفع أكثر لتلامس الثمانين في المئة بحسب مصادر عدد من الشركات، في حين أنّه خلال السنوات الماضية تراوحت ما بين 20 و30%. لبنان مفتوح بهذا المعنى على آفاق الانفراج.

2-العامل الثاني كلمة أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله، وقد بدت بهاء راقياً. لقد ثبّت نصرالله معنى التزامه في الأصل بترشيح العماد ميشال عون كخيار سياسيّ استراتيجيّ وكمصدر للثقة الجامعة بينهما، كما أنّه في الوقت عينه شدّد على دور الرئيس نبيه برّي بتسهيل عمليّة الانتخاب وركّز على صدق الوزير السابق سليمان فرنجيّة، وفي معلومات تبدو شبه أكيدة أنّ لقاء قريبا سيتمّ في قصر بعبدا بين رئيس الجمهوريّة والنائب فرنجيّة بمسعى قام به السيد حسن نصرالله، وسيكون مناسبة لقول الأمور والمصارحة ثمّ المصالحة، فما بين الرجلين أقوى من المحن. ومن الإيجابيات في الخطاب قول السيد نصرالله انّه لم تسمِّ كتلة الوفاء للمقاومة الرئيس سعد الحريري، ولكنّ حزب الله هو من سهّل في الأصل. وللأمانة التاريخيّة من سهّل التسوية بمعاييرها الثنائيّة الخاصّة بالعماد ميشال عون وبالرئيس سعد الحريري كان السيّد حسن نصرالله. وقد يكون التسهيل بدوره منطلقًا جديدًا لتعاون ولفهم مشترك لمعنى إبطال التشنجات المذهبيّة التي كانت سائدة، وقد كادت أن تشعل الأرض اللبنانيّة غير مرّة. فتح السيد حسن نصرالله الباب أمام تسوية عودة الرئيس الحريري إلى السلطة وأمام المساحة التسووية هو الوعاء الموضوعيّ لتثبيت التسوية وتجسيدها في المساحة اللبنانيّة.

لقد نفى السيد نصرالله أن تكون الدول مساهمة في هذه التسوية، ولكن وبحسب اوسلط دبلوماسيّة لقد شجّعت عليها، والتشجيع يدلّ على مشيئة واضحة بتكوين حالة جديدة ترعى الخصوصيّة اللبنانية التي كانت متفلّتة وتعيد إليها توازنها البهيّ. وتشير المعلومات الى انّ الإيرانيين والروس ضغطوا لأجل نجاح انتخاب من يمثّل البيئة المسيحيّة بأكثريتها المطلقة، فحين يصرّ الرئيس حسن روحاني أو وزير الخارجيّة محمد جواد ظريف على أن يراجع اللبنانيون، وبنوع خاص المسيحيون والسيد نصرالله فمعنى هذا أنّهم مدركون سلفا أنّ اللقاء المسيحيّ-الشيعيّ بجزء منه مأخوذ إلى هذا الترشيح وهم شجّعوا عليه. وعندما يقول الروس انّهم لم يسمّوا أحدا ولكنّهم يشجعون على نجاح مبادرة الحريري بمضمونها فهذا بدوره يؤشّر الى المشيئة الروسيّة. الأميركيون الذين بدأوا بتسمية العماد عون مع السفير السابق ديفيد هيل، واصطدموا بالعائق السعوديّ الرافض، وساهموا في تسمية الوزير فرنجيّة عادوا فاستلحقوا أنفسهم وانخرطوا في عملية تفاهم مع إيران وسموا العماد عون. ثمّة مصلحة مشتركة جامعة منها قانون جاستا السيف المسلط على السعوديين الذين استلحقوا أنفسهم وشجعوا على نضوج التسوية.

لبنان مختبر لنجاح تلك التسوية وضمان ديمومتها، وغالب الظن بأنّها جاءت في لحظة تشهد المنطقة حريقا كبيرا، والحريق سيدوم لفترة لريثما اتجهت العناوين الميدانية نحو حسم وشيك بين حلب والرقة. في هذه الأثناء سيكون لبنان أمام مساحة واسعة ترسي تفاهمات موضوعيّة وذكيّة، من التأليف إلى مناقشة الموازنة وصولاً إلى قانون للانتخابات، فمتى نجحت في لبنان في بداية هذا العهد الجديد، نكون قد سلكنا الطريق نحو تعميمها في مراحل لاحقة ضمن دائرة المشرق العربيّ والشرق الأوسط برمته في اللحظات التأسيسيّة بل التكوينيّة المشبعة ربما برسم خرائط سياسيّة جديدة.