لا زالت القوى السياسية كافة ترجئ الخوض في مصير التحالفات السياسية قبل أن تتبلور اللقاءات والإتصالات الجارية بين اللاعبين الأساسيين في هذا الإستحقاق، وذلك ما ينسحب على الساحتين المسيحية والإسلامية إذا صحّ التعبير، خصوصاً على خط «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، حيث يتوقّع أن تتبلور الإتصالات بينهما في وقت قريب، وباب الإحتمالات وارد على صعيد التحالفات أو عدمه.
وعلى خط موازِ، فإن اتصالات تجري بين «التيار الوطني الحر» والحزب التقدمي الإشتراكي لاستطلاع إمكانية التحالف بينهما في دائرتي الشوف وعاليه، حيث علم أن لقاء قد يحصل خلال الأيام المقبلة بين رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط ووزير الخارجية جبران باسيل، وذلك استكمالاً للقاء الأول بينهما. فالنائب جنبلاط يسعى إلى تقريب المسافات بين جميع الأحزاب والقوى المسيحية، الأمر الذي يريح الأجواء في الجبل، وبالتالي، يجعله مرتاحاً وغير محرج بخلاف هذا الفريق أو ذاك، إلا أن الأوساط المتابعة لمجريات الأمور، تقول أن العرض الجنبلاطي يتمثّل بإعطاء «التيار الوطني الحر» نائبين في كل من الشوف وعاليه، لكن المحيطين بـ «التيار» يؤكدون في مجالسهم بأن هذا الأمر غير منطقي باعتبار أن لـ «التيار» دوره وحيثيته في الشوف وعاليه، وله أصدقاء وحلفاء كثر، وقد تكون له لائحة بالتحالف مع الوزير طلال إرسلان و«حزب الله» والحزب السوري القومي الإجتماعي وأشخاص مستقلين، لكن ذلك لا يعني أن الإتصالات متوقفة مع الجانب الجنبلاطي، لا بل أن الأجواء مؤاتية أكثر من قبل للوصول إلى تفاهم، وهذا ما سيتم حسمه في ضوء اجتماع باسيل وجنبلاط ونجله تيمور، حيث يتولى هذه الإتصالات النائب وائل أبو فاعور.
من هذه الزاوية، فإن الأفرقاء كافة يسوّقون ترشيحات غير محسومة تأخذ طابع الرسائل السياسية، وبالتالي، تصب في خانة «جسّ النبض» وإمكانية وصولها، إذ ينقل عن بعض رؤساء الأحزاب وبعض المرجعيات السياسية أن هذه الترشيحات التي قدّمها البعض غير محسومة ونهائية، بمعنى أنه قد يصار إلى سحبها، إنما ذلك مرتبط بمصير التحالفات الإنتخابية، وحيث تؤكد المعلومات بأن ما يؤخّر إنهاء الأزمة القائمة بين بعبدا وعين التينة إنما يعود إلى اعتبارات سياسية غير الخلاف التقني بالنسبة لمرسوم أقدمية الضباط، وفي طليعة هذه الإعتبارات أو الخلافات ما يرتبط بالشأن الإنتخابي، ولا سيما في دائرة جزين حيث هناك تصفية حسابات قديمة بين الرئيسين عون وبري، وبالتالي أن هذا الخلاف يتمدّد على كافة الصعد، وذلك ما ظهر جليّاً خلال الإجتماع الأخير للجنة المكلّفة دراسة الإصلاحات الإنتخابية، والتي ترأسّها الرئيس سعد الحريري، وما الخلاف الذي نشب بين الحريري وكل من الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر، إلا مؤشّر لما يحدث على خط بعبدا ـ عين التينة، بحيث تتّهم أوساط بري الحريري بأنه يسير إلى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون. وقد تكرّست هذه الصورة من خلال الحراك الذي حصل في الساعات الماضية عبر موفد جنبلاط النائب وائل أبو فاعور، الذي نقل إلى رئيس الحكومة الإقتراح الجنبلاطي لحلّ هذه المعضلة، لكنها رُفضت من بعبدا.
وأخيراً، وعلى ضوء هذه الأجواء السياسية، تستبعد أكثر من جهة حزبية، بما في ذلك الزعامات وقادة الأحزاب، أن يعلن أي طرف من الأطراف عن تحالفاته الإنتخابية ورمي أوراقه على الطاولة في خضم هذه الخلافات المستشرية بين بعبدا وعين التينة، والتي لها تأثيرات كبيرة على صعيد الترشيحات والإصطفافات السياسية والإنتخابية.