لم ينجح اختبار تحالف الأحزاب في الانتخابات البلدية والاختيارية في الالتزام الكامل باللائحة الواحدة، فهل يكون اختباره في الانتخابات النيابيّة أفضل؟
معلوم أن الانتخابات البلدية والاختيارية تختلط فيها العصبيات العائلية مع الحزبية والسياسية والمذهبية، في حين أن الانتخابات النيابية تطغى فيها العصبيات السياسية والحزبية والمذهبية أحياناً، لذلك فإن تأليف اللوائح البلدية يختلف عن تأليف اللوائح النيابية. فاللوائح البلدية تتألّف من ممثلي أحزاب وعائلات ومذاهب والتنافس فيها يكون على المشاريع الانمائية التي تهمّ الجميع، في حين أن اللوائح النيابيّة يثير تأليفها خلافاً على المشاريع السياسية التي تقسم أحياناً الأحزاب والعائلات.
لذلك، فإن السؤال المطروح في ضوء تجربة تحالف الأحزاب في الانتخابات البلدية والاختيارية هو: هل يكون تأليف اللوائح في الانتخابات النيابية أكثر تعقيداً من تأليفها في الانتخابات البلدية؟ وهل تكون الأحزاب أكثر انضباطاً والتزاماً في التصويت للائحة الواحدة؟
ممّا لا شك فيه أن تأليف اللوائح في الانتخابات النيابية هو أكثر تعقيداً من تلك التي يتم تأليفها في الانتخابات البلدية لأن كل حزب قد يجد نفسه مضطرّاً للتضحية بمرشّحين له في أكثر من دائرة توصّلاً إلى اتفاق على تأليف لوائح موحّدة. وهنا يبرز الخلاف بين حزب يتمسّك بمرشّحه في دائرة وآخر يتمسّك بمرشّحه ويرفض سحبه لأن كل حزب يحاول أن تكون له حصة من المقاعد النيابيّة تفوق حصة الآخر، خصوصاً في مجلس نيابي تتألّف منه حكومات ويقر مشاريع مهمّة وله مواقف من قضايا مصيرية، عدا أنه قد يتولّى انتخاب رئيس للجمهورية.
ويذكر أن “الحلف الثلاثي” الذي كان مؤلّفاً من كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده كاد الخلاف على تأليف لوائح واحدة يشقّه لولا المساعي الكثيرة التي بذلت للابقاء عليه من أجل مواجهة ما كان يعرف بخطر “المد الناصري” الذي كان له أنصاره ومؤيّدوه في لبنان وفي العالم العربي. ومع ذلك فإن أحزاباً في الحلف إيّاه لم تلتزم التصويت للائحة الواحدة بكاملها في بعض الدوائر الانتخابية فخرقت من اللائحة المنافسة، لأن الخلافات الحزبية المحليّة تظل حيّة في النفوس ولا تبدّدها التفاهمات على السياسة الخارجية فقط.
لذلك فإن تحالف الأحزاب في الانتخابات النيابية قد يواجه عند تأليف اللوائح الواحدة صعوبات تفوق تلك التي واجهها “الحلف الثلاثي” في الماضي لأن الخلافات الداخلية والشخصيّة تقلّل القدرة على مواجهة الأخطار الخارجية. وإذا كان ما يجمع الأحزاب اليوم في تحالف واحد هو الاتفاق على السياسة الداخلية، فإن ما قد يفرقها هو الخلاف على السياسة الخارجية خصوصاً إذا ظل الصراع شديداً بين المحاور في المنطقة، وتحديداً بين المحور الإيراني ومن معه والمحور السعودي ومن معه، وظل الخلاف أيضاً على وجود السلاح خارج الدولة، وتحديداً سلاح “حزب الله” الذي بات الموقف منه يقرّر إقامة دولة قوية في لبنان أو عدم التوصّل إلى إقامتها.
لقد كشفت الانتخابات البلدية عن ثغر في التحالفات الحزبية في أكثر من منطقة. فـ”حزب الله”، مثلاً، صوّت لمرشّحي “التيار الوطني الحر” فقط من دون مرشّحي الأحزاب الأخرى في لائحة “انماء زحلة”، و”التيار الوطني الحر” لم يصوّت لمرشّحي “تيار المستقبل” في بيروت وهو ما كاد يعرض اللائحة الواحدة للخرق.
إلى ذلك، يمكن القول إن التحالفات الحزبية تواجه عند تأليف اللوائح الواحدة في الانتخابات النيابية صعوبات تفوق تلك التي تواجهها في الانتخابات البلدية، وهي الآتي:
أولاً: تحديد حصة كل حزب من المرشّحين بحسب حجمه وقوّة تمثيله في كل دائرة، وقد يكون ذلك سبباً لخلاف تصعب معالجته كما في الانتخابات البلدية حيث حصلت توافقات في بلدات واختلافات في بلدات أخرى.
ثانياً: أن يكون برنامج الأحزاب المتحالفة واحداً في السياسة الداخلية وفي السياسة الخارجية، فلا يكون حزب مع محور مثلاً وحزب مع محور آخر، ما يجعل أصوات الناخبين تتشتّت.
ثالثاً: أن تستفيد كل الأحزاب المتحالفة من أصوات ناخبيها لا أن يستفيد حزب منها من دون آخر كما حصل ويحصل مع “التيار الوطني الحر” الذي ربح أصوات الأحزاب المتحالف معها ولم يخسر أصوات “حزب الله” لأن سياسة واحدة تظل تجمعهما، إلا إذا أدّت التطوّرات في سوريا إلى خلط الأوراق وقلب التحالفات