يقوم العدو الإسرائيلي الذي لا يزال يعرقل الهدنة في غزّة، والتي ستنعكس بشكل طبيعي في حال حصولها على وقف المواجهات العسكرية القائمة عند الجبهة الجنوبية اللبنانية، يقوم بتهديد لبنان بضربة وشيكة عليه. فقد وصلت الى بيروت في الأيام الماضية رسائل ديبلوماسية تُحذّر من تهديد بضربة “إسرائيلية” وشيكة، حدّدت بريطانيا موعدها منتصف الشهر الجاري. وأدّى هذا الأمر الى اتصال مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين برئيس مجلس النوّاب نبيه برّي والتحادث معه عبر الهاتف لمدة 40 دقيقة. فهل هذا التهديد، هو نوع من الضغط على لبنان للقبول بالمقترح الأميركي- “الإسرائيلي” حول ترسيم أو تثبيت الحدود البريّة، وتطبيق القرار 1701؟ أم ثمّة أهداف أخرى منه؟!
أوساط ديبلوماسية مطّلعة تحدّثت عن أنّ “إسرائيل” تقوم بالتهويل، ولكنّها غالباً تمضي في تنفيذ ما تُهدّد به، على غرار ما فعلت وتفعل خلال الحرب الأخيرة في غزّة. فكلّ ما تحدّثت عنه من اعتداءات وعمليات عسكرية، قامت به حتى الآن، باستثناء تحقيق أهدافها من هذه الحرب، رغم جميع الضغوطات الأميركية عليها لعدم التمادي في عنفها على المدنيين ولإنهاء هذه الحرب. غير أنّ تعاطي العدو الإسرائيلي مع حزب الله يختلف تماماً، فهو يحسب ألف حساب للقدرة العسكرية للحزب ولمنظومة الصواريخ التي يملكها والتي لم يكشف عنها بعد، والتي تفوق بالتالي قدرة حركة حماس التي كانت محاصرة في قطاع غزّة لسنوات.
فإذا كان “الإسرائيلي” ينوي شنّ ضربة كبيرة على لبنان، على ما أضافت الاوساط، كونه يريد بالدرجة الأولى إنهاء القلق الذي يُراوده من وجود حزب الله وعناصره عند الحدود الجنوبية، ويخشى من أن يشنّ عليه عملية عسكرية شبيهة بعملية طوفان الأقصى، فهل يقضي على قلقه من خلال ضربة موسّعة على لبنان؟ ألن يستتبع مثل هذه الضربة حرباً شاملة وواسعة يعرف العدو متى تبدأ لكنه لا يمكنه توقّع متى وكيف تنتهي؟ في ظلّ صعوبة تحقيق هدفه، سيما وأنّ حرب تموز- آب 2006 هي خير دليل على فشله في تحقيق أي نتائج إيجابية.
وإذا كان بالتالي همّه الأول حالياً، على ما أوضحت الأوساط نفسها، هو إعادة أكثر من 100 ألف مستوطن الى المستوطنات الشمالية قبل أيلول المقبل، أي قبل بدء العام الدراسي الجديد، فهل شنّ ضربة على لبنان، ممكن أن يعيد هؤلاء الى منازلهم قبل أيلول؟ بالطبع لا، لا قبل أيلول المقبل ولا ايلول من السنة المقبلة، لأنّ حزب الله لن يقف مكتوف الأيدي. ولهذا نجد “الإسرائيلي” يُطالب لبنان عبر الوسيط الأميركي بتطبيق القرار 1701 ، لا سيما في ما يتعلّق بـ “إقامة منطقة عازلة في منطقة الليطاني”، بهدف تحقيق هدفه بإعادة المستوطنين. لكنه في الوقت نفسه يرفض تطبيق القرار المذكور لجهة الإنسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة، كما يرفض وقف الطلعات الجوية التي يقوم بها والتي تخرق القرار 1701، وتنتهك السيادة اللبنانية.
أمّا التهديدات والسيناريوهات التي يسوقها رئيس حزب الصهيونية الدينية ووزير المالية “الإسرائيلي” بتسلئيل سموتريتش ، من خلال الدعوة إلى إقامة منطقة عازلة من جديد والشروع في حرب في لبنان، قائلاً إن “الوضع في الشمال يتدهور، ويجب أن ننقل المنطقة العازلة من داخل “إسرائيل” في الجليل إلى جنوب لبنان، بما في ذلك الدخول البري واحتلال الأراضي وإبعاد إرهابيي حزب الله (على ما يقول) ومئات آلاف اللبنانيين الذين يختبئ الحزب بينهم إلى ما بعد نهر الليطاني، بالتزامن مع هجوم مدمّر على كل البنى التحتية في لبنان، وتدمير مراكز ثقل حزب الله، وإلحاق أضرار جسيمة بعاصمة الإرهاب بيروت (من وجهة نظره)”، فترى الأوساط أنّها تعيد تكرار سيناريو حرب تموز- آب 2006، الذي فشل فيه العدو فشلاً ذريعاً، إذ لم يتمكّن من القضاء على حزب الله رغم كلّ الدمار الذي ألحقه آنذاك بالبنى التحتية والجسور وبالمباني التابعة للحزب وبالقرى والبلدات الجنوبية وغير ذلك.
من هنا، فإنّ دخول “إسرائيل” في حرب شاملة وموسّعة مع لبنان، رغم كلّ التحذيرات التي أتتها على لسان الموفدين الدوليين الذين زاروا لبنان والمنطقة، يُعتبر مغامرة غير مدروسة، لن تكون محسوبة النتائج، بحسب ما يُرسم لها. أمّا خلق وضع سيء يكون لبنان منشغلاً به خلال السنوات العشر المقبلة، أي بإعادة بناء ما يتبقّى منه بعد الضربة التي ستوجّه اليه، وليس بقيادة الإرهاب ضدّ “إسرائيل”، وفق السيناريو الصهيوني نفسه، فلا حاجة له، بحسب رأي الأوساط الديبلوماسية، لأنّ لبنان يعيش أسوأ أزمة إقتصادية ومالية وإجتماعية وديموغرافية في تاريخه، ولكي يستعيد عافيته الإقتصادية يحتاج الى أكثر من العشر سنوات المقبلة.
وتقول الاوساط بأنّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” أنجزه هوكشتاين، من دون حصول حرب عسكرية، أو ضربة من خلال التفاوض غير المباشر. ولهذا فإنّه بالإمكان اليوم، لا سيما بعد وقف حرب غزّة ووقف إطلاق النار عند الجبهة الجنوبية، البدء بمناقشة كيفية تطبيق القرار 1701 من قبل جميع الأطراف المعنية، وليس من قبل حزب الله أو لبنان فقط، توصّلاً الى توقيع إتفاق خاص بالحدود البريّة.
أمّا محاولة التهديد بالتصعيد، وبشن ضربة كبيرة على لبنان فلن تُجدي نفعاً، على ما شدّدت الاوساط، إذ ليس من مصلحة العدو فتح حرب جديدة في المنطقة، لن تقتصر على لبنان فقط، إنّما ستمتدّ منه الى سائر دول المنطقة. كذلك فإنّ النازحين السوريين المنتشرين على جميع الأراضي اللبنانية، لا بدّ وأن يهربوا نحو الدول الأوروبية عبر البحر وبطرق غير شرعية، فور اندلاع الحرب الموسّعة بهدف الفرار من الموت، الأمر الذي من شأنه مضاعفة أزمة المهاجرين غير الشرعيين الى الدول الأوروبية بفضل “إسرائيل”. كما أنّ مبادرة هذه الأخيرة الى شنّ الحرب على لبنان، أو القيام بضربة موسّعة عليه من دون أي سبب وجيه، لا بدّ وأن تتمّ محاسبتها عليها في مجلس الأمن الدولي. فهل ستفكّر “إسرائيل” بكلّ هذه الأمور قبل تنفيذ السيناريو الصهيوني غير المدروس؟!