IMLebanon

تقرير شامل عن وضع «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك

تختلف القراءات والتحليلات لمجريات ما يحصل على الجبهة الشرقية لجهة رأس بعلبك – القاع حيث تنتشر مجموعات «تنظيم الدولة الاسلامية» التي لا يستهان بها عديدا وتسليحا فضلا عن المساحة الجغرافية التي تتمدد عليها، ما يجعل لتلك المعركة حسابات خاصة ودقيقة، بعيدا عن الشعبوية والحماسة والانجرار وراء العواطف والامنيات، وهو ما تدركه قيادة الجيش جيدا وتضعه اساسا في خططها العسكرية المقررة المبنية على وقائع ثابتة واستعلام دقيق وتخطيط محكم لن تكون نتيجته الا النصر الساحق ، طالت مدة المعركة ام قصرت،خصوصا ان فريق الضباط الذي اختير لقيادة العملية يشهد له بالكفاءة العالية.

بالتأكيد تختلف ظروف معركة جرود عرسال ورأس بعلبك عن جرود عرسال التي خاضها الحزب بعد استنزاف لمجموعات «جبهة فتح الشام» من قبل الجيش اللبناني سواء عسكريا، باحكام الطوق عليها وسد اي امكانية تواصل بينها وبين عرسال قاعدتها اللوجستية الخلفية من جهة، والقصف المدفعي شبه اليومي الذي انهك مقاتليها، وامنيا من خلال العمليات النوعية التي نفذت طوال الفترة الماضية وهو ما المح اليه العماد قائد الجيش في امر اليوم بمناسبة عيد الجيش.

واذا كان استنزاف الجيش «للنصرة» سابقا قابله استنزاف مماثل لمجموعات «داعش» الا ان ظروف المعركة تختلف كثيرا، حيث تورد مصادر متابعة لمجريات العمليات على طول الجبهة سلسلة معطيات توضح طبيعة المعركة المنتظرة ابرزها:

– بشريا تضم مجموعات «داعش” المنتشرة في 32 موقعا اساسيا في جرود القاع ورأس بعلبك حوالى 700 مسلح، يتمتعون بخبرة قتالية لا يستهان بها اكتسبوها خلال قتالهم في سوريا والعراق، يضاف الى ذلك عامل اساسي بان غالبية عائلاتهم غير موجودة في الجرود .

– العقيدة القتالية لتلك المجموعات تشكل على استخدام القناصين، موجات الانتحاريين، والتفخيخ واقامة الكمائن من خلال القتال في مجموعات صغيرة، فضلا عن انه معروف عنهم قتالهم حتى النهاية وبشراسة  حيث يرفضون الاستسلام او التراجع عندما تبدأ المعارك بحسب ما تبين مراجعة المواجهات التي خاضوها في سوريا والعراق.

– الرقعة الجغرافية التي ينتشر عليها ارهابيو «داعش» تبلغ ضعف المساحة التي كانت خاضعة لاحتلال النصرة، يفصل التلال التي يحتلونها في مقابل مواقع الجيش سهل منبسط ذو ممرين الزاميين للوصول الى مواقعهم ،وهم يتمركزون ب 32 موقعا اساسيا، مجهزة ومدعمة ومحصنة بشكل جيد جدا ،في كهوف وانفاق، ووسائل نقل مختلفة، كذلك شبكة اتصال بين المواقع، كما تكشف المعطيات عن امتلاكهم مستشفى ميدانيا وكميات وافرة من الطعام، رغم ان الجيش استطاع قطع طرق امدادهم باتجاه الاراضي اللبنانية بنسبة 100%، ما دفعهم يخوضون المعارك مع «النصرة» و«احرار الشام» لتأمين الوصول الى مدينة الملاهي ومعبر الزمراني لتأمين قواعد امداد لوجستية لهم في عرسال. علما ان لـ «تنظيم الدولة» تواجد في بلدة عرسال وهو استطاع تجنيد بعض اللبنانيين لصالحه،رغم ان طريق هؤلاء نحو الجرود مستحيلة حاليا.

– لجهة التسليح ،يعد تسليح هذه المجموعات جيدا لامتلاكها اسلحة  يمكن تصنيفها «بالنوعية»، من صواريخ مضادة للدروع من نوعي «ساغر» و«كورنيت» حصلت عليها من مخازن الجيش السوري والعراقي، وكذلك راجمات صواريخ ومضادات من عيار 23ملم فضلا عن مدافع هاون وقناصات واسلحة متوسطة وخفيفة، كذلك فان مخزونها من الذخيرة لا بأس به، بخاصة المتفجرات والعبوات والالغام.

يضاف الى كل ذلك ان طرق امداد هذه المجموعات مفتوحة باتجاه البادية السورية، وان كانت نسبة نجاح تسللهم باتت اضعف من السابق الا انها ما زالت ممكنة، وهي احد الاحتمالات التي يرجح ان يتبعها التنظيم في حال قرر الانسحاب من الجرود او سحب بعض مجموعاته باتجاه دير الزور او تدمر.

واذا كانت قيادة الجيش اللبناني قد حسمت قرارها بتحرير الارض ، من منطلق مبدئي، وخوض المعركة المرتقبة وفقا لحساباتها المرتبطة بأجندة داخلية محضة، لا علاقة لها بأي استحقاق اقليمي او دولي، ذلك ان ظروف الجيش التي تملي عليه خوض المعارك، فان اوساطا متابعة لفتت الى ان المؤسسة العسكرية لن تقع في فخ ينصب لها سواء عن قصد او غير قصد لجهة دفعها الى معركة لا تكون حاضرة وجاهزة لها ، مشيرة الى ان لاعلاقة بين تحديد موعد المعركة المفترضة وزيارة قائد الجيش الى واشنطن اذ لا ارتباط بين الامرين، ذلك ان القرار الدولي واضح بدعم الجيش في معركته ضد داعش ، وهو ما عبر عنه صراحة الرئيس الاميركي، الذي افترض ضمنا في حديثه وضع خط احمر على اي تعاون مع الجيش السوري في هذا المجال، وتأكيد القيادة العسكرية الاميركية على فتح مخازنها في الشرق الاوسط امام اي ذخائر مدفعية وصاروخية يحتاجها الجيش في حربه.

وفي هذا الاطار، تكشف مصادر عليمة ان القصف الذي يقوم به الجيش والغارات الجوية التي تستهدف مواقع «داعش» انما هي عمل روتيني هدفها كشف خطط العدو والحاق الضرر بمواقعه وتحصيناته وايقاع اكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف مقاتليه في اطار استراتيجية الاستنزاف المتبعة منذ اكثر من سنتين، مؤكدة ان اقتراب تحديد ساعة الصفر ستكون له مؤشرات عديدة تسبقه اهمها انتشار الجيش في الرقعة التي حوصرت فيها «النصرة» بين وادي حميد ومدينة الملاهي، والتي لم ينجز بعد حتى الساعة اتفاق انسحاب «احرار الشام» منها، اذ يفترض وتزامنا مع انسحاب هؤلاء المسلحين تقدم وحدات الجيش والانتشار على طول هذا الخط لمنع «داعش» من التسلل والتمركز عليه، علما ان قيادة الحزب سبق وابلغت المعنيين ان وحداتها لن تقترب من تلك المنطقة لحساسيتها تاركة امر التعامل فيها للجيش اللبناني، مؤكدة انها ستنسحب من كامل منطقة الجرود اللبنانية والاكتفاء بالتواجد في الجرود من الناحية السورية من الحدود.

وسط كل ذلك يتبادر للجميع سؤال اساسي عن سبب عدم اكمال الحزب معركته باتجاه مناطق «داعش» وعدم حصول اي مواجهات بين الطرفين،رغم ان عناصر الحزب اصبحوا على تماس مباشر في اكثر من نقطة. تقول اوساط مطلعة ان لذلك عدة اسباب،  ابرزها ان معظم منطقة انتشار «داعش» هي في اراضي لبنانية وبالتالي، فان مهمة تحريرها تقع على عاتق الجيش اللبناني الذي يملك كل الامكانات في سبيل ذلك، وثانيا لقناعة الحزب بأن الضغط وتشديد الحصار على «تنظيم الدولة» سيمنعهم من خوض المعركة وبالتالي الانسحاب باتجاه البادية السورية، اذ لا يمكن خوض اي معركة دفعة واحدة على مساحة جغرافية واسعة، معتبرة ان الحزب نجح في تحييد «داعش» من المعركة والذي لو دخلها لكانت الكثير من المعادلات قد تغيرت، رغم ان ذلك تم لحسابات خاصة بالتنظيم ابرزها عدم استنزاف قدراته والحفاظ عليها في حال قرر خوض مواجهة مستقبلا، ورابعا الوضع الداخلي الذي كانت تعاني منه «جبهة النصرة» وانقسام الآراء بين مؤيد للانسحاب قبل المعركة ومن اصر على القتال، ولعل ابرز تجليات ذلك في انسحاب «احرار الشام» من اليوم الاول.

يوم تحدث الرئيس سعد الحريري عن عملية سينفذها الجيش في الجرود لم يكن مخطئا وان جاء كلامه غير واضح بسبب تزامنه مع انطلاق الحديث عن معركة جرود عرسال، ويوم حدد الرئيس الاميركي الاعداء بـ «داعش» وجيش النظام السوري، كان يدرك جيدا انه يضع الخطوط الحمر للعملية المرتقبة،موصلا الرسائل في اكثر من اتجاه، بالتزامن مع الرسائل التي اوصلها الحزب.

فهل ينجح الجيش في تحقيق الهدف؟ وهل تتوقف حملات ومحاولات استدراجه الى استعجال المعركة تحت عناوين مختلفة؟ والى اي حدود قد يصل الدعم الدولي للجيش في حربه ضد الارهاب؟

الاكيد ان الجيش يجهز نفسه لخوض حرب رابحة وهو يملك كل الامكانات والارادة الكافية لتحقيق الهدف.