كشفت التجاذبات حول “مرشح التسوية” للرئاسة اللبنانية عمق الانقسامات ومدى هشاشة ساحتَي 8 و14 آذار في آن، سواء في الطرح السياسي “الوطني” أو في العلاقة بين مكوّناتهما، اذ انشغلتا بالمناحرات الداخلية وتغافلتا عن الفضيحة المقززة: في النهاية يكون رئيس النظام السوري، بكامل سجله الاجرامي الحالي، قد استطاع مرّةً جديدة أن يطرح مرشحه للرئاسة، وتشاء المفارقة أن يتوافر لهذا المرشح قبول دولي وعربي، ليس اقتناعاً بكفاياته، بل توجّساً – كما يقال – من أزمة شغور رئاسي لا يمكن تحديد نهايتها، فتتحقق عندئذ توقعات كثيرين بأن ميشال سليمان كان “الرئيس الأخير” لهذه الجمهورية.
لعل السجال المحموم على خيار سليمان فرنجية أظهر أن أيّاً من الأقطاب الموارنة الأربعة لا يستطيع الوصول الى الرئاسة، لأن إمكان توافقهم على واحد منهم صعب إنْ لم يكن مستحيلاً، والأصعب أن يتفاهموا على مرشح خامس يتحاصصونه بالشروط التي تكبّله مسبقاً. وهكذا شهدنا طوال 17 شهراً سقوط أساطير “رئيس صُنع في لبنان” و”رئيس قوي” و”رئيس توافقي” لمصلحة “صديق الاسد” وعائلته (قتلة رفيق الحريري وكمال جنبلاط وبشير الجميل وآخرين وآخرين كثر من اللبنانيين، وقتلة مئات الآلاف من الشعب السوري). وعموماً لا شأن لأحد بـ “الصداقات الخاصة” أو بـ “مَن يتغدّى مع مَن”، إلا أن هذه “الصداقة” سياسية جداً ويصعب تصوّر أنها غير مؤثرة في/ ومسيطرة على عقله السياسي. وما دامت الصراحة الفجّة احدى “مزايا” فرنجية فمن حقّه أن “يفتخر” بهذه “الصداقة”، ومن شأنه الاعتراف مبكراً بأنها باتت عاهة لا يمكنه التخلّص منها لكن يحسن به ألا يحمّل اللبنانيين تبعاتها.
واقع الأمر أن “خامس” الأقطاب الأربعة ليس مارونياً وانما هو “حزب الله”، المتحكّم باللعبة الرئاسية أو بالأحرى مسمّمها ومفسدها. ويروى أن أحد المراجع صارح ميشال عون بأن انسحابه من السباق بات ضرورياً لإنقاذ الرئاسة، وكان ردّه بأنه لا يستطيع، لأن “حزب الله لا يقبل”. وعلى رغم أن “مرشح التسوية” هو حليف هذا “الحزب”، وهو أيضاً خيار الاسد حليف ايران، إلا أن “ولي الفقيه” لم يرسل حتى الآن “تكليفاً شرعياً” لـ “الحزب” كي يمضي في تأييد فرنجية. هناك من يقول راقبوا تطورات اليمن، فإذا حصل اتفاق على وقفٍ لإطلاق النار قبيل محادثات جنيف، يتأكّد وجود هدنة سعودية – ايرانية، وعندئذ يمكن أن يغيّر “حزب الله” موقفه من ترشيح عون؟!
أعجب المفارقات أن عرّابي “التسوية” (بري والحريري وجنبلاط) يرغبون في اقناع اللبنانيين بها لكن بالصمت ومن دون الافصاح عن طبيعتها. عادت طبيعة النقاش والاتصالات بين السياسيين تذكّر بما كان أيام عهد “نظام الوصاية السورية”، أما الفارق الوحيد – حتى الآن – فهو أن المجتمع بدأ “حربه الأهلية” على طريقته، ضد التسوية وعرّابيها ورافضيها، وهذه ليست سوى البداية.