هل صحيح أن إيران اشترطت للمساعدة على استمرار الأمن والاستقرار في لبنان والتجاوب مع رغبة الدول الشقيقة والصديقة له، تأخير إجراء الانتخابات الرئاسيّة فيه إلى حين تصبح جاهزة لتسهيل إجرائها، لذلك سهلت تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام وشجعت على إجراء حوارات ثنائية وجماعية تبحث في كل شيء ما عدا الانتخابات الرئاسيّة الى ان يحين وقتها؟
وبما أن إيران تستطيع من خلال “حزب الله” تعكير الأمن في لبنان وزعزعة استقراره ساعة تشاء، كان الحوار بين “تيار المستقبل” والحزب لتحقيق هدف أولي هو تنفيس الاحتقان بين السنّة والشيعة لمنع حصول فتنة تدمر لبنان، وتجعله نهائياً بلا دولة ولا مؤسسات، وهو ما لا يريده أحد في الداخل ولا في الخارج. لذلك يستمر الحوار لهذه الغاية على رغم تبادل التصريحات النارية من حين إلى آخر، والتي كانت كافية لوقفه لو لم يكن ثمة قرار كبير باستمراره حتى لو ظل يدور في حلقة مفرغة لأن استمراره هو استمرار للأمن والاستقرار في لبنان ووقفه هو زعزعة لهما ودخول في المجهول.
لذلك كان لا بد من حوار يجري بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” لضمان استمرار الأمن والاستقرار لأن ما بين الحزبين المسيحيين الكبيرين لا يختلف كثيرا عما بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، واحتمال حصول صدام مسيحي – مسيحي يذكّر بذاك الذي حصل في الماضي وعرف بـ”حرب الالغاء”. وعلى رغم أن كثيرين كانوا يأملون من خلال هذه الحوارات في التوصل إلى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية باعتبار ان له الاولوية على أي أمر آخر، فإن هذا الاتفاق لم يتم التوصل اليه، لا بل صار اتفاق على إبقائه خارج البحث وكأن الوقت لم يحن بعد للبحث فيه، وهو ما حصل في الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” ويحصل ايضا في الحوار الجماعي برئاسة الرئيس نبيه بري، وصار تقطيع لبعض الوقت في البحث عن مواصفات الرئيس، حتى إذا صار اتفاق عليها انتقل البحث الى اختيار المرشح الذي تنطبق عليه هذه المواصفات علّ إيران تكون قد أصبحت جاهزة للمشاركة في اختياره. وإذا كان لا بد من إضاعة مزيد من الوقت، كان البحث في قانون جديد للانتخابات قد يسهّل الاتفاق عليه التوصل الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية تعرف إيران نفسها انه لن يكون من 8 آذار ولا من 14 آذار بل من خارج هذين الاصطفافين، ومن يكون أكثر قرباً إلى أحدهما، وهذا يقرره تطور الاوضاع في المنطقة ولا سيما في سوريا.
وهكذا يستمر الحوار لمنع حصول فتنة بين السنّة والشيعة، وصدام مسيحي – مسيحي بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، وهو ما كان قد يقع لولا الحوار الذي يمتص التوترات السياسية والمذهبية حتى وإن أبقى الخلاف بين المتحاورين سواء على موضوع الانتخابات الرئاسيّة أو على سلاح “حزب الله” وتدخله في الحرب السورية، وهي مواضيع بات حلّها خارج أي حوار وبإرادة خارجية وليس بإرادة داخلية باتت مكبّلة وأسيرة مواقف لا رجوع عنها.
واستمرار الحوار حتى وإن كان شبه حوار طرشان، جعل بعض من يشاركون فيه ومن داخل الاحزاب نفسها ينتقدونه في مجالسهم الخاصة لأن ما يتوق إليه الناس هو الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر، وهذا لم يحصل وقد لا يحصل في المدى المنظور ما دامت ايران تمسك بورقة الانتخابات وتنتظر من يدفع لها ثمنها لتبيعها. لكن البائع حاضر، أما الشاري فغير حاضر بعد، وفي انتظار أن يحضر يحرص الجميع على استمرار الأمن والاستقرار بشتى الوسائل، لا سيما تسليح الجيش وتبادل المعلومات بين الاجهزة الامنية اللبنانية وغير اللبنانية لملاحقة العناصر المشبوهة والارهابيين واعتقالهم لأن هذا باتت له الاولوية عند الناس في انتظار الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، إذ ماذا ينفع ان يخسر الناس الامن والاستقرار وهم في انتظار حصول هذا الاتفاق، وهو ما جعل “القوات اللبنانية” ترد على من يأخذ عليها سياسة “التبريد” مع العماد ميشال عون على رغم استمراره في تعطيل انتخاب رئيس للبنان، والمزايدة عليها بالقول: “إن سياسة المواجهة مع التيار الوطني الحر ترتد سلباً على الشارع المسيحي الذي سئم الانقسامات المسيحية ويتطلع الى وحدة صف مسيحي”، وهذا ما ذهبت إليه ورقة “النيات المشتركة”. وقد تساءل الدكتور سمير جعجع في مقابلة تلفزيونية: “ألا تستقيم الحياة السياسية إلا بمهاجمة عون؟ المهم أن القوات لم تبدل خطابها. لذلك ترى القوات وجوب الحفاظ على “الستاتيكو” المسيحي، خصوصا أن المسيحيين أصابهم الملل والقرف من انقسامهم وشرذمتهم”. وهذا هو ايضاً لسان حال “تيار المستقبل” و”حزب الله” في الحرص على استمرار الامن والاستقرار والاكتفاء بذلك ريثما يصير في الامكان انتخاب رئيس للبنان، إذ ماذا ينفع انتخابه بعد الخراب؟