تتولى في لبنان السلطة طبقة سياسية فاسدة أمعنتْ في نهب المال العام وأمـوال المودعين منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني، هذا الأمر ليس مستغربًا إستنادًا لمندرجات العلوم السياسية فهذا العلم يؤكد على ضرورة حُكِمْ النخبة في ممارسة المهام السياسية في الأوطان، بينما السلطة القائمة في لبنان هي مزيج من أمراء الحرب مارسوا القتل والسرقة والتدمير والخطف وفرض الخوّات وإرتكبوا الجرائم وباعـوا الوطن وشرّدوا الشعب وقسّموه إلى مذاهب دينية وفكرية وعقائد واهية. ليس مستغربًا ما يحصل لإنعدام الضمائر عندهم والمؤسف أنه لا يزال بين المواطنين اللبنانيين من يعتبرهم المنقذ ويأتمرون بهم.
ليعلم كل القادة الروحيين والعلمانيين التوّاقين إلى إستعادة السلطة لمكانتها الطبيعية الديمقراطية، فلا دولة يا سادة في ظل الإقطاع السياسي اللبناني المكوّن من إقطاعية مذهبية وإقطاعية الحزب الشمولي، والإثنية الطائفية والمذهبية ما لم تتحرَّرْ الجمهورية ( جمهورية الصيغة – الميثاق – الدستور )، من عقلية وثقافة ومناهج الإقطاعية في بنيتها السياسية وإدارتها. ومن الصعب في مكان أن يكون لها حضور على مستوى المسرح السياسي المحلي – الإقليمي – الدولي .
في الجمهورية اللبنانية هناك غلبة الغطرسة والقوّة وشرعية زائفة مصطنعة والهدف من ذلك إمتلاك كل إدارات الدولة وإحتكارها بالكامل كما هو حاصل اليوم إقطاعية مذهبية خاصة تحتكر السلطة تُعيّن وتُقصي وتقتل وتصدر الأحكام. إنّ النظام السياسي اللبناني الإقطاعي القديم والمتجدِّدْ يقوم على فكرتي الإحتكار والتبعية من قبل هذه القوى الفاقدة للحس الوطني وللأخلاق وللمناقبية وهي تطرح نفسها كممثل عن الشعب بينما هي فعليًا زوّرتْ الإنتخابات وأفرزتْ مجلسًا نيابيًا دُمية في أيدي «باشوات الإقطاع».
للحقيقة يُشكّلْ هذه الإقطاع السياسي الويلات على لبنان وشعبه، وهـو من أخطـر النماذج السياسية التي يشجبها علم السياسة كما هو النموذج الفاقع الذي يُفكِّكْ الجمهورية بكل إداراتها وهذا النموذج يُواصلْ تكفيك المجتمع اللبناني لأنه توّغل بكل مفاصل الدولة ممّا ولّدَ منظومة سياسية خطيرة بمستجداتها على الجمهورية المحتضرة. ليكُنْ معلومًا لدى القادة الروحيين والعلمانيين أنه لا دولة في ظل سيادة دولة الإقطاع السياسي سواء أكان محتكر هذا الإقطاع حزب شمولي مع أنصاره، ما لم تتحرّرْ الجمهورية من عقلية وثقافة ومنهج الإقطاعية في بنائها وإدارتها. ولا يمكن أن تكون جمهورية تمثل شعبها وتتكامل بأنظمتها السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والإجتماعية.
سؤال يطرحْ نفسه عند كل مناسبة أو ندوة حوارية، كيف تشكّل هذا الإقطاع السياسي الذي يتعالى على مجتمعه ويُلغي نشوء مجتمع لبناني ؟ إنه نظام الإقصاء والإملاء والطاعة السياسية العمياء الذي ألغى الجميع، والمؤسف أنّ رجال الدين والساسة الشرفاء يُجالسون هولاء الإقطاعيين في الصفوف الأمامية ويُصفقون لهم عندما يعتلون المنابر زيفًا. مشكلة الجمهورية اللبنانية في هذه المرحلة ليستْ من صنع اللبنانيين الأبرياء بل هي مُصنّعة من قبل هؤلاء الإقطاعيين المكرين الذين فرضوا بالإرهاب الطاعة والسمع من دون مناقشة وتجسدتا شرطًا وضرورة وليس خيارًا، ومن ثم تطبيع جميع المواطنين .
بوقاحة يجلس هؤلاء الإقطاعيّون في الصفوف الأمامية، ويتناسون أنهم دمّروا الوطن ونهبوا خزينته وسرقوا أموال المودعين وقتلوا الحلم في عيون الأطفال والشباب، ويتناسون أيضًا أنهم دخلوا جنّة السلطة بالـ«شحادة» والتزوير وحُفاة العقل والأفكار كالعقل «الأجرودي». والآن إنهم يمتلكون المليارات والعقارات وكلها من عرق جبين الشعب.
ويلات لبنان سببُها حُكّامه، أيُّها القادة الروحيّون والزمنيّون رأفة بالوطن لبنان وبالشعب اللبناني العظات الكتابة ليست كافية وهي لم تعُد مجدية، نحن في الهاوية وهم مقيمون في ذروة السلطة عندهم كأن شيئًا لم يكُنْ، لبنان ليس سلعةً للبيع أو المقايضة، وعليه يجب ألاّ نموت أو نُساير كلفة التخلّي عن النضال مكلفة، لنقاوم معًا بما أوتينا من جهد ولن تضيع حقوقنا لأننا أصحاب همم كصخور جبال لبنان. هل تتيّقظون وتسمعون ؟!
* كاتب وباحث سياسي