لبنان دولة تهريب: الفتوى صدرت والمخدّرات باقية وتتمدّد بقاعاً وجنوباً
هل يعتقد أحد في لبنان والعالم أنّ «العراضة» التي قامت بها السلطة بعد كارثة فضيحة «الرمان المخدِّر» ستنطلي على أحدٍ من العالمين، أو أنّها ستشكّل خطوة جادّة لوقف انهيار الثقة بالدولة أو للحدّ من إساءة السمعة التي ألصقتها سلطة السلاح والفساد بوطن الأرز حتى أصبح مستنقعاً لكلّ الأعمال الآسنة، وهل سيكفي اجتماع القصر الجمهوري لتلاوة فعل الندامة وتسطير وعود لن تتحقّق لتهدئة غضب المملكة العربية السعودية على التمادي في استهدافها بـ«سلاح المخدِّرات»؟
إن المشاهد لكيفية تعاطي السلطة مع كارثة الرمان الملغوم، يدرك أنّها ما زالت تعتقد أنّها تستطيع خداع العالم ببعض الحركات الاستعراضية في القصور أو على الحدود، وأنّ بوسعها تجاوز هذه الكارثة بإعطاء الأوامر للقوى الأمنية بالتشدّد في ملاحقة المهربين، أو بالقبض على أحدهم وتحويله «كبش فداء» للحفاظ على المنظومة والشبكات القائمة.
سلطة الانفصام الغائبة عن الوعي
هكذا شاهد اللبنانيون والعالم مشاهد متناثرة تؤكّد تخبّط من استولى على الدولة، وقد أراد هؤلاء إقناعنا بأنّ كلام رئيس الجمهورية في الاجتماع الأمني الذي خُصّص لبحث مسألة التهريب، وكلامه عن مخاطره وأضراره على البلد سيجعل لبنان بلداً متقدِّماً في الحرب على المخدرات، لكن، لماذا لم يستيقظ الحكم على حقيقة عدم وجود أجهزة تفتيش إلاّ الآن، ثمّ ألا يعلم الجميع أن جهاز «السكانر» في مرفأ بيروت، كان قبل تفجيره معطلاً عن العمل وقد أثير هذا الأمر مراراً وتكراراً في الإعلام؟
وهل ضبطت جولة وزيرة الدفاع زينة عكر على بعض المواقع وإلقائها خطاباً رناناً، المعابر الشرعية وغير الشرعية ومنعت التهريب وتسلل الأشخاص؟ بالطبع لا، فلا شيء تغير سوى إقناع هؤلاء السالبين للسلطة بأنّهم فعلوا ما عليهم.
في متاهة التدفق الإعلامي عن الحدود السائبة والمعابر الشرعية المستباحة، وقبل البحث في اهتراء مؤسسات الدولة الفضائحي في مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي، أو الالتهاء بتقاذف الاتهامات بين وزارتي الزراعة والاقتصاد حول المسؤولية عن تغيير شهادة المنشأ للرمان الملغوم الذي استهدف السعودية، في إطار حرب المخدرات عليها.
لبنان دولة مخدرات: القضاء والأمن في عالم العجز والتواطؤ
لقد أثبتت الوقائع أنّ لبنان تحوّل بفضل التحالف الحاكم إلى دولة «مخدراتية» من الطراز الأول، وهو بات ينافس أفغانستان في نشر هذه الآفة، بعد أن تحوّلت مرافق الدولة العامة إلى «مرافق صديقة»، خاصة مع الإعلان بأنّ التهريب هو فعل من أفعال «المقاومة». فالمنظومة السياسية انكشفت عوراتها مع ظهور «ملك الكبتاغون» حسن دقو مع ثلاثة أرباع الطبقة الحاكمة، من «حزب الله» إلى تيار المستقبل، ولم يعد مفيداً كلّ أنواع التملّص والتبرير لستر العورات.
أمّا المنظومة القضائية فهي الأكثر تساهلاً مع قضية المخدرات، وكانت غادة عون النموذج الأكثر وضوحاً مع إطلاقها سراح نجل نائب جبران باسيل لشؤون الشباب منصور فاضل بعد أن ضُبط بحوزته ميزان خاص بالمخدِّرات، لتعطي نموذجاً عن تواطئ السلطة مع بعض القضاء، فضلاً عن مئات الأحكام المخفّفة على المهرّبين. وللتوسع في هذا التواطؤ المكشوف بين السلطات السياسية والقضائية والأمنية، يمكن مراجعة المقابلة التي أجرتها قناة «الجديد» مع العميد عادل مشموشي الرئيس المستقيل لدائرة مكافحة المخدرات ورئيس دائرة التحقيق والتفتيش في قوى الأمن الداخلي بتاريخ 30/4/2021.
كشف مشموشي هول الكارثة التي استحكمت بالأمن والقضاء نتيجة إصرار مواقع القرار السياسي على التطبيع مع الممنوعات، فيصبح القانون موضعاً للتحايل، ويصبح الأمن في خدمة التهريب ويتحوّل الضباط الشرفاء إلى مطاردين، لا يجرؤون على التنقّل بسياراتهم الرسمية، وكشف أيضاً أنه منذ العام 2016 توقفت كلّ عمليات تلف الأراضي المزروعة بنبتة الخشاش في البقاع، وبالتالي فإنّ مواسم الحشيش مزدهرة منذ ذلك التاريخ، تحت عين الدولة ونظر الأمن.
هذا التراكم، أعطى الوقاحة لكبير المهربين والمطلوبين نوح زعيتر إلى أن يعلن وضع مسلحيه في تصرّف القاضية غادة عون لتنفيذ غزواتها على شركة مكتّف، وكيف يمكن فهم تمتع المطلوبين بالحصانة المعلنة من وزارة الدفاع، كما هو حال المطلوب علي بركات، وهذان نموذجان فقط عن مدى التطبيع القائم بين الخروج عن القانون وبين أجهزة يفترض أن تكون مهمتها تنفيذ القانون.
إشكاليتان تثبتان عبثية الدولة
الإشكالية الأولى، تتعلّق باستمرار وتوسع زراعة الأراضي في البقاع بنبتة الخشخاش وامتدادها إلى الجنوب، وتجاهل الأجهزة الحكومية التام لضرورة منع هذه الزراعة، قبل الحديث عن واجب إتلافها، والثانية بازدهار مصانع المخدّرات.
كيف يمكن الحديث عن مكافحة المخدّرات وقد تحوّلت زراعة الخشاش إلى زراعة «مشروعة» بحكم الأمر الواقع، وكيف يريد «حزب الله» إقناع الناس أنّه ليس له علاقة بزراعة الحشيش وهي امتدّت إلى شرفات المنازل وأحواش الحسينيات، وتوسّعت جنوباً لتصبح المشاعات مزروعة بهذا النبات القاتل، خاصة أنّ أكثر هذه المشاعات ممنوعة على القوى الأمنية، كون كثير منها مصنّفة من قبل الحزب كمناطق حسّاسة، عادت مغلقة بعد تفريغ القرار 1701 من مفاعيله الميدانية.
كيف يمكن إقناع الدول المستهدفة بمخدرات لبنان أنها ستكون بمأمن عن العدوان بالسموم ومصانع حبوب الكبتاغون تنام تحت درج منازل بعض نواب «حزب الله»، ويكشف المراقبون أنّ ما يجري من مداهمات بعضها يصبّ في تشكيل مركزية للتهريب وإخراج المجموعات المتناثرة التي لا فائدة منها أو أنّها تسعى للتوسع الخاص بها، وبعضها قديمٌ تجري إعادة عرض صوره بشكل مكرّر، للحديث عن حصول مداهمات، حيث يجري الاعتماد على عدم انتباه العموم لهذه التفاصيل.
لا شيء يتغيّر.. التهريب شغال والفتوى حاضرة
لم تغيّر الانتفاضة الوهمية للسلطة على تهريب المخدِّرات شيئاً من الواقع المنحرف والمهترئ والمتمادي في الاعتداء على الشعب نفسه، وفي العدوان على جوارنا العربي والأوروبي، وكما في سوريا والعراق واليمن، يسقط لبنان في المزيد من تحلّل الدولة وإفساد المجتمع، على وقع الفتوى المعتمدة للشيخ صادق النابلسي باعتبار «التهريب جزءاً لا يتجزأ من عمل المقاومة»، لتتراجع صورة لبنان التي نعرفها، وتتقدّم صورته في الجحيم الإيراني الذي يلفح المنطقة منذ ولادة الثورة الخمينية من رحم فرنسا «الحنون» ولم تنته مهامه التخريبية بعد.