IMLebanon

دولة تعمل بِطاقة 20 % كيف تنجَح؟

 

وكأنّ الأشهر الـخمسة التـي مضت ليست كافية لولادة طبيعية للحكومة، والـخوف من أن تأتـي الولادة مبتسرة، غيـر مكتملة النـموّ، فتسبّب تشوّهات خلقية ويضطر أولياء الأمر لاتـّخاذ قرارات صعبة ومـحرجة بـخصوص طريقة علاج مولودهم الـجديد. هذا ما حذّر منه الأميـن العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، ناصحاً بعدم تـحديد موعد لولادة الـحكومة، لأنّ الـجنيـن الـمولود قبل ميعاده الطبيعي، تتـمّ تغذيته عن طريق أنبوبة، إلى أن يستطيع التنفّس والـمصّ والبلع ليـرضع، إمّا عن طريق صدر أمه أو «البيبـرونة»، وقد يعيش أو لا تُكتب له الـنجاة.

 

هذا هو حالنا، وحكومتنا الـموعودة تـحتاج إلى أكثـر من أنبوبة وأكثـر من صدر ليـرضعها وأكبـر من «بيبرونة».

 

إنّ ديـموقراطيتنا التوافقية «الملبننة» قضت على الديـموقراطية وعلى الأصول والدستور، وأصبحت جـميع الإستحقاقات الدستورية فـي مهبّ الرياح. فـي السنوات المس الأخيرة عاش اللبنانيون أربع سنوات فـي الفراغ الـمؤسّساتي القاتل: 11 شهراً تقريباً لتشكيل حكومة الرئيس تـمام سلام فـي نـهاية عهد الرئيس ميشال سليمان؛ ومرت سنتان ونصف السنة لانتخاب رئيس الـجمهورية العماد ميشال عون، وشهر ونصف الشهر لتشكيل حكومة الرئيس سعد الـحريري فـي بداية عهد الرئيس ميشال عون، والآن بعد خـمسة أشهر على التكليف لـم يـتـمكّن الرئيس سعد الـحريري من تشكيل الـحكومة. أيّ بلد فـي العالـم تتعطّل مؤسّساته الدستورية بنسبة 80 فـي الـمئة، ويبقى على «قيد الـحياة»؟

 

للأسف، فشلت الدولة فـي بناء مؤسّساتـها وفـي تـحصيـن دستورها. لـم يعد رئيس الـحكومة مَن يشكّل الـحكومة ولا رئيس الـجمهورية، بل أصبح رؤساء الأحزاب والكتل مَن يضعون شروطهم ويـحدّدون حصصهم الوزارية ونوعية الـحقائب وأسـماء الوزراء. إنه انقلاب على الدستور والقانون والأعراف، ولا توجد أيّ دولة فـي العـالـم تقبل أن تسيطر الأحزاب على مؤسّساتـها وتفرض شروطـها عليها. لقد أصبـحنا نعيش هاجس الإستـحقاقات الدستورية، وهاجس أمزجة رؤساء أحزابنا، وهاجس تدخّل الغرباء فـي شؤوننا.

 

أسئلة كثيـرة يطرحها الناس: إذا كان تعثّـرُ تشكيل الـحكومة سببه الـحقيبة الـخدماتية لـ «القوات اللبنانية»، فلـماذا عُرضت عليها وزارة العدل وليس وزارة أخرى، ما دام رئيس الـجمهورية متـمسّكاً بـها؟ لـماذا استفاقت الحصّة السنّية الـمعارِضة من غيبوبتـها فـي اللـحظة التـي وافقت «القوات» على حقيبة العدل؟ هل استشعر «حزب الله» خطرَ وجود «قوّاتـي» فـي وزارة العدل مع اقتـراب لفظ أحكام المحكمة الدولية؟ هل أنّ الـحكم الذي سيصدر بشأن ملكية الـ LBCI له علاقة بإبعاد «القوات» عن وزارة العدل؟ هل أنّ ضعف الـموقف السعودي بعد جريـمة الخاشقجي أضعف موقفَي الحريري و«القوات» فأصبحت حقيبة العدل خارج التداول؟ هل فشلت «القوات» فـي إدارة ملفّ حصّتها الـحكومية حيـن تراجعت سريعاً عن مطلب الـحقيبة السيادية إلى موقع نائب رئيس الوزراء؟ أم أنّ قول الدكتور سـميـر جعجع «يضحك كثيـراً مَن يضحك أخيرا»، هي التي قصمت ظهر البعير؟

إنّ الأسباب التـي تـجعل «الفول خارج المكيول» كثيرة جداً، وأهـمّها فقدان التوازن الوطنـي فـي التركيبة الحكومية، والـجشع اللامتناهي الذي أسقط كل الـمعاييـر الأخلاقية، بـحيث أصبحت الـحصص الوزارية «مطوّبة» للأحزاب وكأن لا وجود للمستقلّيـن الإختصاصيّـيـن الأكفياء فـي الدولة. فعدا عن الـ 51 فـي الـمئة الذين قاطعوا الإنتخابات، هناك أكثـر من 50 فـي الـمئة مِن الذين انتخبوا، لا يوافقون على نـهج هذه الطبقة السياسية التـي تتـحـكَّم بالبلاد والعباد والتـي أوصلت الوطن إلى هذا الدرك من الإنـحطاط والفقر والـمديونية والفساد.

إذا أراد رئيس الـحكومة وبالتوافق مع رئيس الـجمهورية حكومة «وحدة وطنية» فعلاً لا قولاً، فيجب تـمثيل حزبَـي «السوري القومي» و«الكتائب» وأيضاً «الـحراك الـمدنـي» والسنّة الـمعارضيـن. أمّا إذا أرادا حكومة «أكثريات»، فالمناصفة يـجب أن تـُحتـرم، ليس فقط طائفياً بل أيضاً فـي توزيع الـحقائب السيادية والـخدماتية وغيـرها، ويُطبّق مبدأ الـمداورة فـي الوزارات كافةً، على أن تُـحتـرم الأحجام التـي أفرزتـها الإنتخابات. وإذا اتّفقا على تـثـبـيـت حصّة رئيس الـجمهورية، فيجب أن تكون هذه الـحصة 4 وزراء لا ينتمون إلى أيّ حزب سوى حزب الكفاءة والإختصاص. (إثنان مسيحيان وإثنان مسلمان).

أمّا فـي ما يتعلّق بـحصّة «القوات اللبنانية» التي تُعبر السبب الرئيسي فـي تعثّر تشكيل الـحكومة، فإننا بكل تـجرّد نقول إنّ حجمها التمثيلي يعطيها الـحق بـحقيبة سيادية أو ما يوازيها من الحقائب الخدماتية، ولا تـجوز العودة إلى لغة «الفيتوات» والمحظورات من أيّ فريق.

إنّ رئيس الجمهورية، وإن قُضـم بعضُ صلاحياته ظلماً، يبقى الوحيد القادر على فكفكة العُقد وتذليل الصعوبات وتـحقيق العدالة، لأنه أكبـر وأهمّ من كل الوزارات والحقائب، ولأنه رئيس الدولة والنظام وليس مجّرد الرئيس الـحكَم بيـن المتصارعين، وهو رمز وحدة الوطن والساهر على احتـرام الدستور، والـمحافِظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه. هذه الـمكانة السامية والـمتميّزة لرئيس الجمهورية جعلتهُ مـمثّلاً للأمة اللبنانية جـمعاء والراعي للتوازنات الطائفية والحزبية والمناطقية، والوحيد الذي يقسم اليميـن الدستورية.