ليس بنيامين نتنياهو، وحده، المجرم، إنما شركاؤه في الجريمة هم الكثيرون من الحكّام على امتداد بلدان هذا العالم. ربّما نُتّهَم بالسذاجة إذ نتحدّث عن أخلاقية الحروب والقوانين الإنسانية التي يُفترض أن تكون المعيار في المعارك، دفاعاً وهجوماً، ولعلّنا على شيءٍ من ذلك قياساً الى الفجور الشامل في هذا الزمن الرديء، ولكننا نُصرّ على أنّنا لا نزال نرفض ما يقوم به جيش الاحتلال الصهيوني في لبنان وقطاع غزة من وحشية هي فوق قدرة العقل السويّ على استيعابه أو تفهّم دوافعه.
نعرف أن ما نتكلّم عليه بات بضاعة بائدة في هذا الزمن المتوحّش، اذ غاب سلَّم القِيَم نهائياً، وحلّ محلّه ما يتجاوز حتّى الحد الأدنى من المفاهيم الإنسانية. ومع ذلك نقيم على الاقتناع التام بأن اللامبالاة التي تحكم نظرة وتعامل العواصم الكبرى مع المجازر الهائلة التي يرتكبها العدو في لبنان وغزة، ليست دليلاً وحسب على التواطؤ، إنما هي ما يؤكد على المشاركة في الفظائع. وأن تكون الولايات المتحدة الأميركية شريكة في هذه الأهوال المروِّعة فهذا لا يحتاج الى دليل، ولكن عدم التحرك الفعّال لوقف هذه الجريمة هو مشاركة فيها، بشكلٍ أو بآخر. فماذا يفيد بيانُ استنكار تصدره موسكو، وتنديدٌ من بيجينغ، ومن عاصمة هنا ورئيس هناك، ومسؤول هنالك؟!. والعكس صحيح، فالاكتفاء بهكذا مواقف، يشجّع العدو على المضي في ارتكاباته…
أمّا الأمّتان العربية والإسلامية فقد لا نجد كلاماً لتوصيف مواقف دولهما، ما يتجاوز الانهزام الى تواطؤ البعض. ولعلّنا نكرِّر ذاتنا عندما نقول إننا لا نطلب مشاركة دول النحو مليارَي نسمة بخوض الحرب الدفاعية ضدّ العدوان الإسرائيلي، علماً أنّ المشاركة مبرّرَة قانوناً (بموجب معاهدة الدفاع المشترك)، ومبرّرة ديناً (انصر أخاك …) ومبرّرة أخلاقياً (ذوو القربى …)! ومع ذلك لا نطالب بإعلان حربٍ دفاعية على الصهاينة في فلسطين المحتلة … ولكننا قلنا، غيرَ مرّةٍ، في «شروق وغروب» باتخاذ إجراءات فاعلة تتجاوز الكلام الخشبي الذي يكتفي بما يوصف أنه «حكي بحكي».
من تلك الإجراءات نذكر على سبيل المثال لا الحصر: أن تبادر الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات ديبلوماسية، تطبيعية، مع الإسرائيلي الى أضعف الإيمان فتطرد سفراء العدوان من عواصمها. وأضعف الأضعف أن تسحب سفراءها من فلسطين المحتلة. وثمة إجراء يوجع الإسرائيلي وهو وقف التعامل المالي والتجاري والاقتصادي مع العدو. ولن ننسى العلاقات الحيوية جدّاً في مجال الاستخبارات…
وأمّا الاكتفاء ببيانات «الحكي بحكي» فليس سوى ذرٍّ للرماد في العيون…
وأمّا الإعلاميون الشهداء الذين ارتقوا، أمس، فستظل دماؤهم، على مثال الذين سبقوهم، شعلةً وهّاجة علّها تنير بعضاً من هذا الظلام الدامس.