IMLebanon

أزمة حكم بين ممسك بالصلاحيات وبين متمسّك بالممارسة من خارج النصّ

 

أزمة حكم بين ممسك بالصلاحيات وبين متمسّك بالممارسة من خارج النصّ

الأرشيف ينضح بالشتيمة والإشتباك.. وترداد التمسك بالطائف لا يتآلف وموقف حزب الله

 

 

لم يكن حزب الله الحليف الرئيسي لرئيس البرلمان في صفوف داعمي اتفاق الطائف لكنه لم يقدم عملياً على عرقلته

أسدلت مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جزءا يسيرا من الستارة على الخلاف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. في الأصل، لم يكن الفيديو المسرّب سوى شرارة في سياق النار المتقدّة بينهما، لكنها الشرارة التي سارعت حركة «أمل» الى توظيفها في مسعى الى الانتقال بالخلاف الى المستوى الأعلى: الاختلاف في الرؤية بين الرجلين لمفهوم الدولة ودورها، ولموقع رئاسة الجمهورية الذي عاثت فيه الدولة المنبثقة عن إتفاق الطائف تهميشا وتقزيما.

في الأساس، يفيض أرشيف السياسة اللبنانية، تحت قبة البرلمان وفي الحكومة كما في الإعلام والصالونات، بأخبار الحوارات الصاخبة بين المسؤولين السياسيين وتبادلهم الاتهامات بجرعات من القدح والذم والتقريع والصفع والاشتباك اللفظي والجسدي، تفوق بكثير التعبير الذي خرج به رئيس التيار الوطني وزير الخارجية جبران باسيل في وصفه العلاقة مع رئيس مجلس النواب.

تستعيد الذاكرة، في هذا السياق، مجموعة من المواقف، منها:

أ- المشادة بين الراحل كمال جنبلاط ورئيس الحكومة الراحل صائب سلام، بداية الستينات، يوم نعتا بعضهما بأقذع العبارات.

ب – المواجهة الكلامية حدّ الاشتباك بالأيدي بين الرئيس الراحل رشيد الصلح والنائب (الرئيس) أمين الجميل في البرلمان في 16 أيار 1975، عندما استقال نصف وزراء حكومة الصلح على خلفية أحداث بوسطة عين الرمانة. حينها رفض الصلح الاستقالة وأصرّ على المثول أمام المجلس النيابي حيث ألقى خطاباً حمّل فيه حزب الكتائب مسؤولية مجزرة عين الرمانة. ركض الجميل خلف الصلح الذي كان يهم بمغادرة المجلس، محاولاً إعادته بالقوة الى القاعة لسماع رد الكتائب، وسط هرج ومرج.

جـ – المشادة اللفظية في مجلس النواب (1992) بين النائب السابق نجاح واكيم ووزير العدل بهيج طبارة، والتي ألحقها واكيم بشتيمة.

د – المشادة العنيفة بين الوزير الراحل إلياس حبيقة والوزير (الرئيس) فؤاد السنيورة في إحدى جلسات حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري. يومها كان السنيورة ينتقد حبيقة في ملفات تتعلّق بالكهرباء، فطلب منه وزير الطاقة «وقف التجنّي»، متمنيا على الحريري «إسكات السنيورة وإلا باخد حقي بإيدي»، فسأل الحريري «كيف؟». أجاب حبيقة «بدك تعرف؟»، ولم يكد الحريري يكمل الـ«نعم»، حتى هجم حبيقة على السنيورة، ليصرخ الحريري «اعتذر يا فؤاد، اعتذر»، فصاح السنيورة «بعتذر يا دولة الرئيس، بعتذر». عاد حبيقة الى مقعده، وأشعل سيكاراً، قائلا: «منيح يللي ما شفتو الـHK (لقبه زمن الحرب). صار فينا نبلّش الجلسة».

هـ – المواجهة الكلامية في إحدى جلسات حكومة الرئيس سليم الحص في عهد الرئيس إميل لحود، بين النائب سليمان فرنجية ووزير الإصلاح الإداري الراحل حسن شلق الذي قال عنه فرنجية بأنه معاق وكاد يرميه بمنفضة.

و – الصفعة التي وجهها الرئيس الراحل إلياس الهراوي، في العام 1998، لرئيس تحرير مجلة «الشراع» حسن صبرا أثناء التعزية بوفاة والدة النائب ميشال المر في بتغرين.

لا ترمي هذه الاستعادة السريعة الى التبرير. فالأزمة البلاسقف بين ميشال عون ونبيه بري لا تعود الى أيام خلت، بل الى خلاف عميق في مقاربة آليات الحكم وأدواته، بين ممسك بالصلاحيات وبين متمسك بالأعراف والممارسات من خارج النص. أما تكرار القول بالطائف وأحكامه فلا يستقيم نظرا الى مجموعة عوامل، في مقدمها أن حزب الله، الحليف الرئيسي لرئيس البرلمان، لم يكن يوما في صفوف داعمي هذا الاتفاق. هو صارح الرأي العام غداة وضع الاتفاق حيز التطبيق بداية التسعينات بأنه يعترض عليه، وهو وضع دراسة تناولت نقدا للاتفاق في شقَّيه الأمني والسياسي، لكنه لم يُقدِم عملياً على عرقلته. كما كان الحزب واضحا يوم جادل أحد وزرائه الوزير الراحل بيار الجميل في إحدى جلسات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة (2006)، قائلا له على مسمع الجمع كله، بما معناه: «الطائف وضع في زمن لم يكن لإيران الحضور الذي بات لها راهنا. هذا ليس تفصيلا. يستوجب الحضور الإيراني إعادة النظر في مجمل المنظومة السياسية الحاكمة».